ما زلتّ أذكر بيت شعر يتردّد صداه في ذاكرتي للشاعر (عمر أبو ريشة)، منذ عام 1979عندما كنتُ في الصف التّاسع: “يا عروسًا تنامُ ملءَ المحاجرِ .. شَيّعي الُحُلُم، و الطّيوف السّواحر” وجاءت كلمة المحاجر هنا بالجمع ومفردها مِحجَر، وهو ما أحاط بالعين ودار حولها مما يبدو من النّقاب والبُرقُع الذي تلبسه النساء لتغطية وجوههن. وعندما انطلقت ثورة الحجارة الفلسطينية في العام، أثبت بما لا يدع مجالًا للشكّ، بأنها أعادت القضية لمسارها الحقيقيّ، وجدوى المقاومة من الداخل، بإصرار وتصميم قلّ نظيره في التاريخ، كما لفتت الانتباه لقيمة الحجر الحقيقة، هذا السلاح البدائيّ جدًّا صمد في وجه آلة القتل والدمار الإسرائيلية، وأجهض جميع أحلامهم بالسيطرة وإخضاع الشعب الفلسطينيّ، مما أجبر المجتمع الدوليّ للالتفاف على الانتفاضة من خلال اللجوء للمفاوضات التي ثبُت فشلها، وصواب طريق المقاومة. والحَجَرُ هو كُسارة الصّخور، أو الصّخور الصّلبة المتكوّنة من تجمّع الكُسارة والفتات، ومنها أحجار كريمة نفيسة الثمن بقيمتها كالياقوت. ويروى أنّ (الحجر الأسود) هو من أحجار الجنّة، وقداسته تأتي من تقبيل النبيّ صلى الله عليه وسلم له، واقتداء المسلمين بسنّته القوليّة والفعليّة، ومن قبل كان له شأنًا عظيمًا عند العرب قبل الإسلام فيعتقدون ويتمسّحون به، ومن شعائر الحج بعد الطواف استلام الحجر بالإشارة إليه والسلام من بعيد، ومن استطاع الوصول إليه يلمسه ويقبّله اقتداء. ومن أطراف مخيّم اليرموك الجنوبيّة تمتد مدينة (الحجر الأسود) إلى مدينة (السبينة)، تبعد عن دمشق العاصمة 7كم جنوبًا. معظم سكّانها من المهاجرين من الجولان وفلسطين، وعدد سكّانها نحو 60 ألف نسمة. آمّا بلدة (حُجّيرة)التابعة إداريًّا لناحية (ببيلا)، وتعداد سكّانها حوالي خمسة آلاف نسمة، كان هذا قبل سنوات عديدة. وهي إلى الشرق قليلًا عن مدينة الحجر الأسود، وكلاهما تتبعان محافظة ريف دمشق. ينتقل شريط الذكريات بي إلى أيّام الطفولة، كان معظم أبناء مدينتي (بصرى الشام) قد تعلّموا السباحة في البركة الدبّاغة، وكثيرًا ما يدخل الماء للآذان، شعور بالثقل و الغثيان، فينبطحون هناك على حجر بازلتيّ أسود ضخم منحوت بشكل مستطيل وهو جزء من عمود مربّع الشّكل، وكان معروفًا باسم (حجر الصوّان)، ويترنّم الأولاد أثناء ذلك، بقولهم: “يا حجر الصُوّاني اطلعْ الميْ من أذاني”. و الحجارة جاءت على أنواع كثيرة، منها الأحجار الكريمة غالية الثمن لنفاستها كالياقوت والألماس، ونها الحجر البازلتي والكلسي والرملي ّ والجيريّ، كل نوع له استخداماته في مجالات الحياة القائمة على العمران والصناعة والتجارة. وحجر الزاوية لا شكّ بصلابته وكِبَر حجمه، فهو الأساس في الذي يُعتمَد عليه، ومجازًا الشيء الأساسيّ في الأمر، و الجانب المهمّ في الموضوع، وحجر الأساس يوضع إيذانًا ببدء إنشاء مشروع ما، من أحد مسؤولي الدولة الكبار. وفي عام 1799م ، اكتسف (حجر الرّشيد) بالقرب من بلدة (رشيد) في دلتا النيل في مصر، وهو يحمل نقوشًا من اللغة المصريّة القديمة (الهيروغليفية) و اليونانيٍة والطّويّة، وقام بترجمة الكتابة عالم الآثار الفرنسي ّ (شامبليون) عام 1822م، حيث كان النص الطي يُمجّد الفرعون ويُعدّد إنجازاته، وبعد استسلام الفرنسيين المحتلين للقوّات البريطانيّة، قامت الأخيرة بنقل الحجر إلى لندن 1801م، ومازال من أهمّ مقتنيات المتحف البريطاني. ومن ضعُفَت قواه العقلية او كان به سَفَهٌ أو جنون وله مال منقول وخلافه، فيحجُر عليه القاضي بمنعه من التصرُّف بأمواله، ويحوز هذا الحق أحد الورثة، ويوم القيامة يقول المشركون إذا رأوا ملائكة العذاب (حِجْرًا محجورًا)، أي حرامًا مُحرّمًا ما كانوا يظنّون ويقولون في الدار الدنيا لمن يخافونه في الشهر الحرام، والحجر الصحيّ رديف هذا المعنى، وهو إجراء تتخذه الدوائر الصحيّة للوقاية من انتشار الأوبئة والأمراض المُعدِية، بعزل الأشخاص و الحيوانات أو النباتات الوافدة من مناطق موبوءة بأمراض، بغرض التاكّد من خلوّها من تلك الأمراض. وسورة الحِجر من سور القرآن الكريم، مكيّة النزول عدد آياتها 99 آية وترتيبها في المصحف 15بين السور. والحِجْر هي منازل ثمود ناحية الشّام عند وادي القرى، ومنه قوله تعالى: (كذّب أصحاب الحِجْر المُرسلين)، والحِجر كذلك هو الحضن والكنف والقرابة، أمّا الحجْر فهو العقل، قال تعالى: (هل في ذلك قسمٌ لذي حِجْر). أمّا الحُجرة، فهي حظيرة الإبل، ومنه حُجرة الدّار، ومن احتجر حُجرة أي اتّخذها، والجمع حُجَر كغرفة وغُرَف وحُجُرات مجموعة الغُرَف، ومن هنا يمكننا تأكيد اسم سورة الحُجُرات في القرآن الكريم، نسبة لحُجرات النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وضربة واحدة بحجر ربّما تكون قاتلة، ومن (أصاب عصفوريْن بحجر) يُعدّ حاذقًا وماهرًا، ويقال لمن حصل على أمريْن بضربة واحدة. أمّا صاحب الجواب القاطع المُفحِم والمُسكِت، فيقال عنه: ( ألقمهُ حجرًا). و(العلم في الصِّغَر كالنّقش على الحجَر) يبقى ثابتًا لا يُمحى. ووصفت الكيمياء قديمًا بأنّها (حجر الفلاسفة)، والماهر الحاذق المُراوغ، يقال عنه: (يلعب بالحجر والبيضة)، وفي كلّ مجال يكون حجر العثرة هو العقبة والعائق في التقدّم نحو الهدف. كما أن كتاب (أحجار على رقعة الشّطرنج) لمؤلفه الكَنَديّ (وليام جاي)، والذي يكشف فيه دور المنظّمات السريّة العالميّة في صنع الحروب والثورات، لإحداث الخراب والدمار من أجل السيطرة ونهب الثروات، ومازال يحظى هذا الكتاب بشعبيّة واسعة لدى طائفة من القرّاء. وجاءت هذه الملفّقة كحجر الطّاحون لتطحن التباعد والفوارق بين معاني حجر، وتكّون حجر أساس لفهمي هذه المادّة الغنيّة، كي لا أحجُر على عقلي ومداركي في الفهم مُبتعدًا عن الاستسلام لإبقاء الأمور على حالها في تحجير تقدّم البشريّة، ومنه جاء وصف الإنسان المتحجّر بأفكاره وآرائه وأطباعه فهو عقبة الطريق يستحسن تجاوزها.