في ذلك الصباح لم يذهـب – كالعادة – إلى متجره ، بل لبس نظيف ثـيـابـهِ وتوجـه إلى القاضي الذي استدعاه لسماع أقواله بخصوص شكواه عليها وما فعلـتـه بهِ في لقائهما الأول .
وعند مثـولـه أمام القاضي قال له :
هـات ما عندك باختصار مفـيـد
فقال له : بالطبع يا سيدي
قصتي كانـت تجـربتـي الأولى في الـتعـرف على واحـدة من سيـدات الحي ، اللـواتي كُـنَّ يستلطفن الحديث معي في متجري البسيط في الحي الأوسط من بلدتنا ، وشاءت الصـدف أن تقـع واحـدةٌ منهـنَّ في حبي ، وبعد مشاهدتين أو ربما ثلاثـاً في متجـري ، استـدرجتني بتحـديد موعـــدٍ لأول لـقـاءٍ لـنـا ، وحـددت المكــان .. فكـان مـا كــان .. أن قضيتُ معهـا ساعةً .. هي لا تتردد في قول : اشتقت كثيراً لهذا اللقاء ، وهـا قـد حكم القضاء بـأن أكون معك ؟ فأقولُ : ونعم القضاء .. تتابع وتقـول : نعم .. نعم .. ولكـن هـل أنت مشتـاق مثـلي .. آه ربما أكثر .. لا .. لا .. أنت ليس أكثـر شوقاً مني … وتقترب مني .. وتحـاول ممــازحتي .. حتى أنها لامست ساقي بركـبـتـها .. ربما بقصد العفوية يا سيدي !!
بعدها رأىت ابـتـسـامـة عـريضـة ارتسمت على شـفـاه القاضي .. فتـابع الحديث – بشيء من الخجـل والـتـردد – بقـولـه : ومن هذا القبيل .. سـيدي القاضي .. نعم .. نعم .. من هذا القبيل ..
فقال له القاضي ( مستغرباً ) :
ومن هذا القبيل !! ماذا تعني يا رجل ؟ وهل انتهت القصة ؟
قال له :
لا سيدي القاضي .. لقد مـضـت ساعة من اللقاء ، قضيناها بين حـديثها عن لوعتها واشتياقهـا .. وردودي عليها ، وبعـد أن أدركـتُ موعـد رجـوعي ، اعتذرتُ منها للمغادره ، وقلت لهـا مودعاً ، نلتقي مرة أخرى في المستقبل إن شاء الله ..
القاضي ( منفعلاً ) : آهــا .. يا إبني .. أنجز واحكِ لي المفيد ..
فقال له : المفيـد أنني وعـنـدمـا أدرت ظهـري مغـادراً ، أمسكت بقميصي بـشـدة ، محاولــةً إرجاعي إلى الداخل وهي تقـول :
ارجع ولو ربع ساعة على الأقل فعندي الكثير مما أريـد أن أقوله لك .. وأنا لم أستـمع لهـا .. وشدت كثيراً على قميصي ، حتى قدتـه من دبــرٍ .. وهـذه هي مشكلتي سيـدي القاضي ، لا أريد غير العدل ..
قاطعـه القاضي قائلاً :
توكـل على الله ،( ولاحظ عـلى القاضي بأنه يريد متابـعــة الحـديث ) فقاطعه قائلاً :
سيدي القاضي ، لا أريد مالاً ، حتى لا أريد سجنها – إن كنتُ محقاً في شكواي – ولا أريد تعذيبها .. ولا ترهيبها .. ولا .. ولا .. فرد القاضي ( بشي من العصبية ) :
انتهى .. انتهى .. حددد نهاية قصتك ..
فقال : ألـم أقـل لك .. لا أريد غير العـدل
قال القاضي ( وقـد رفع حاجبيه ) : وما هو العدل برأيك ؟
قال : الأديان سيـدي القـاضي تقـول : – ( العـيـن بالعـيـن ، والسـن بالـسـن ) .. حـتى في شـريـعـة ( حـمـورابـي ) كـانت ( العـيـن بالعـيـن .. والسـن بالسـن ) ، وكـمـا تـعــرف يا سيـدي القاضي ، هـي قـــدّت قميصي مـن دُبــرٍ ،
عندهـا انحنى القاضي برأسه قليلاً على الطاولة ، ثـم أشـار للرجل بإبهامـه اليمين قـائـلاً :
آهــا .. تريد ( العين بالعين .. والسن بالسن ) !! ، قضيت معها ساعة بـهـذا الجـو الهادىء ، والمزاج الدافىء .. وقدت قميصك من دبرٍ .. ولا شاهد بينكما – إلا الله – !!
وتابع القاضي ” لماذا أتيت إلى المحكمة لتحصيل حقك بنفـسك ؟ مـع أنكَ كنت تـستـطـيـع تحصيل أكثر من ذلك ، دون أن يعم الخبر لعمروٍ وزيـد .. ومن صلب الأديان التي تطلب العدل من خلالها أن لا نفضح البشر ونكشف سترهم على الملاْ .. وتعود تذكرني بشريعة ( حمورابي ) وتقول ( العين بالعين .. والسن بالسن )
اسمـع يا رجل : لـو كان معها بدلاً منك ( حمورابي ) نفسه ، بهذا الجو .. وهذا الانسجـام ..
لقـدّ قميصها من دبـرٍ .. ومن أمام ..
اذهب وعُـد إلى بيتك ومتجرك ،
وبعد أن خرج الرجل قال القاضي ( مستهجنـاً ) ) :
لفهـم أســرار الـبـشـر يلـزم البعض عــام ، ويلـزم البعض الآخـر ألـف عـام ..
مسكين هذا الرجل الطيب .