لم يقل أحبك / بقلم : حواء فاعور

في بداية الأربعينات وحين كان جدي جالسا على كرسي الحلاقة في ساحة السوق في ضيعتنا جاء صديقه وقال له :

زاكي نايف خطب حواء بنت عمك

حينها فقد جدي وعيه من هول الصدمة

زاكي نايف اكبر إقطاعي في ضيعتنا وجدي عامل فعالة فقير يعشق بنت عمه التي لا يجرؤ أهلها على القول لابن نايف (مالك نصيب عنا)

كان جدي شابا في بداية العشرين بقامة طويلة وكتفين عريضن ، له بشرة بيضاء قريبة للأحمر تفضح سطوة الشمس عليها في أيام الحواش والحصاد وفي عينيه الصغيرتين بحيرة كمرآة تعكس السماء وتزيد عليها ما أمكن من اللمعان والنجوم .

اما حواء جدتي فكانت شابة في السابعة عشر من عمرها لها جسد قصير وابيض ووجه مدور وناعم كقطعة حلوى كانت تعرف أيامها باسم (الغريبة) له ملمس مخملي مثلها

وشعرها مجعد واصفر لم تره الشمس منذ كانت حواء في سن التاسعة .

عيناها سماويتان وادعتان ما إن رآهما راء إلا وخالجته رغبة الدعاء وسطت على قلبه موجة هادرة من الإيمان .

 

خرج جدي من باب دكان الحلاقة بعد ان سفحوا على وجهه سطلا كاملا من الماء ، راكضا

وطلب من ابيه أن يذهب ليخطب ابنة عمه له ، وهكذا كان

ذهب حج محسن إلى أخيه وقال : (حوا لأحمد

وابن نايف يروح يبلط البحر )

من وقتها اصبح جدي بلا عمل وجدتي لم تعد تخرج مع البنات لحواش الزيتون في موسمه .

لقد تزوجا وبدأ زاكي نايف بالانتقام وقطع عيشهم .

فاضطر أحمد للسفر والعمل في مقلع الحجارة (فلان يافلان بيقص حجار ) كان يعمل من الفجر الى الغروب

لمدة سبع عشرة سنة خلالها انجبت منه جدتي أحد عشرة ولدا خمس بنات وستة صبيان

واستطاعا بناء دار لهما يسكنانها .

خلالها ضرب جدي جدتي مرات كثيرة وصرخا في وجه بعضهما مرات أكثر وصمتا اكثر بكثير

وجاعا وتعبا وشبعا .

تقول جدتي : انه لم يقل لها كلمة حلوة طيلة هذه السنوات ،

ما زلت للآن أتذكر صوته الجميل وهو يصيح العتابا والمواويل ويرتل القرآن في أناء الفجر ويدعو دعاء مبهما لا اعقل منه سوى همسا مزعجا .

ماتت جدتي حواء بعد سبع وثلاثين سنة من زواجهما ، عاش جدي بعدها سبع سنين

ختم فيها القرآن كل ثلاثة أيام مرة واهداه لروح حواء

بكى على حواء كل يوم تقريبا وشعر بالوحدة كل دقيقة وصاح لها ما لايعد من العتابا كرثاء وغزل عتاب لغائب.

 

وانا ما زلت اسأل نفسي : كيف أحبها إلى هذا الحد دون ان يقول لها كلمة حلوة واحدة ؟

وكم هو عميق ذاك الحب الذي لا يقول أحبك ؟

 

أحمد لم يقل لحواء أحبك لكنه فعلها

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!