خرج الصديقان برفقة الذئب الحكيم من الكهف، كان الذئب فخورا بانجازه الطبي وفرحا لنجاح العملية التي أجراها لهما، وقف الذئب بينهما وقال: هيا تكلما أريد أن اسمع صوتكما لاطمئن، تبادل الغراب والحمار النظرات ولم يجرؤ أحد منهما على النطق، حاول الذئب أن يستنطقهما ولكن احساسهما بالخوف والرهبة كان أقوى وأعلى من صوتهما الذي يخشى أن ينطلق نحو الفضاء.
وعلى وقع صمت الصديقان وصلت قافلة جديدة من المساعدات كانت تتجه نحو غزة، وعلى الفور قرر الصديقان المتحولان أن ينضما إليها وأن يعودا نحو غزة مع القافلة، لأنه ما زال بوسعهما أن يقدما حافر و جناح العون لها، فقد أصبحا من أصحاب الخبرة في الدروب والمنافذ والمخارج والقفز فوق الحفر، وبتوصية صغيرة من الذئب الحكيم قبلت القافلة الصديقين، حمل الحمار بعض الأكياس على ظهره، ونهق الغراب محلقا في مقدمة القافلة، التي عادت إلى غزة محملة بالمواد الغذائية والأدوية وجرار الماء الفخارية، التي ستروي العطاش ثم سيتم الاحتفاظ بها لتكسر في يوم الخلاص من العدوان الغاشم.
طوال الرحلة كانت حمير القافلة وخيولها تتغلب على وعورة الطريق وغارات الضباع الطائشة بالنهيق والصهيل، فالنهيق يطوي الأرض ويختصر المسافات، أما الصهيل فكان يجلب الضباع والكواسر النهمة المتعطشة للدماء، فالخيول رمز للقوة أما الحمير فلا يكترث بها أحد، وفي هذه اللحظات من عمر الرحلة أدركت القافلة أهمية النهيق وفائدة الحمار وتفوقه المرحلي على باقي الدواب والأنعام.
اقتربت القافلة من حدود غزة وهاجمها الليل والعطش والجوع، فبحثت عن ملجأ أو خيمة أو كهف فلم يجدوا إلا جروا صغيرا قد أعياه الجوع والعطش.
صباحا استرد الجرو الصغير بعضا من عافيته ودموعه، فنبح نباحا جنائزيا طويلا، وقال: لقد كانت مذبحة رهيبة لم ينج أحد من هجوم الضباع وحلفائهم من ابناء عرس والأفاعي، انهم يهاجمون ما تبقى من مزجرنا، حتى الأطفال الرضع قضوا تحت ركام المزجر، وأنا نجوت بأعجوبة من أنيابهم ومخالبهم. أخذ الجرو يحدث القافلة عما حدث للمخلوقات التي لا يسمع أحد إلا صوت أنينها، ثم قال لهم: الجراح عظيمة ولن يستطيع أي أحد أن يفهم أو يحس كم الألم، فجراح من تبقى منهم لن يشفيها الطحين أو الملح، فعاودوا أدراجكم بهذه المؤونة فأنتم أحوج لها وبها منا، فالمخلوقات هنا تفضل أن تستقبل الموت جائعة وعطشى.
نهق الغراب بصوته الجديد ونعب الحمار أيضا من هول ما سمعا، وعم الذهول والصدمة كافة أفراد القافلة من وقع مفاجأة الصوتين، فلم تعد قصص الجرو تشغل بالهم بقدر ما شغلهم تبدل الأصوات وتغير مصدرها، فكيف للحمار أن ينعب وآنى لهذا الغراب أن ينهق!!! فهل بدل حديث هذا الجرو صوتهما لأنه لا يقوى على تغيير مواقفهما؟
تنادى كل من في القافلة لاجتماع طارئ لبحث قصة نهيق الغراب ونعيب صاحبه الحمار، وبالطبع لم تتم دعوة الصديقين إلى هذا المحفل، استمر الاجتماع ساعات وساعات على تخوم غزة، وأشعة الشمس والرياح الصحراوية تتلاعبان في المساعدات والمؤن، ومرت الأيام بسرعة وفسدت المساعدات والمؤن قبل أن تصل إلى مخلوقات غزة، أما المجتمعون وأغلب من كانوا في الاجتماع ألقوا اللوم على الحمار الدخيل والغراب الناهق، فهما سبب كل أزمة وسبب تلف المساعدات والمؤونة، فقد جن جنون الضباع عندما فكر الغراب أن ينهق، واستعانوا بكل الثعابين والأفاعي عندما نوى الحمار أن يفر من الحظيرة ليتخلص من بردعته ورسنه، ليرتدي زيه المخطط الذي طالما كان يزين عروق أسلافه.
وبعد عدة أيام انتهى المؤتمر الطويل وأتفق المؤتمرون على ذبح الحمار ونتف ريش الغراب لأنهما ممسوسين وتحكمهما قوى غريبة، ويجب على القافلة التخلص منهما لأنهما ممسوسين بالكرامة ويؤمنان بحق العودة ولأن أنكر الأصوات لصوت الحمير.
وفجأة أسدل الستار وأنيرت الأضواء وضج المسرح بالتصفيق والتصفير للممثلين بعد خلعوا ملابسهم التنكرية.