في عتمة المقهى يفيض العالم الجامد،
تنمو الشّهوات في حقول النّفس كالطّحلب،
بينما البكاء فجأة م فوق قطعة الغموض:
لا تأويل لا حدس ولا رؤيا؛
فقط.. بكاء شاعر يسيل!
في اللّيل،
يذهب المحبّون إلى أعشاشهم،
والشّعراء يدخلون السّجن،
والأطفال يكبرون سرّا،
والجنود الخائفون يرقدون فجأة فوق التّراب،
يحلمون كيف تصبح المرايا كفنا،
تلبسه.. روح القتيل!
في اللّيل،
يعزف الفتى الضّرير مقطعا،
أمام غرفة هناك.. لا يسكنها سوى العدم،
وحين يتعب الفتى،
يمرّ فوقه بكاء رعويّ دافئ،
تحمله حمامة سوداء:
لا تأويل لا حدس ولا رؤيا؛
فقط.. بكاء شاعر يسيل!
في اللّيل،
يكتب الحمار مقطعا منقّحا من الغزل
شوقا إلى حظيرة أخرى.. وإصطبل أصيل!
في اللّيل،
عندما يموت الظّلّ مثل الوحش،
مجرورا إلى هاوية كبرى،
أرى العشّاق يضحكون في محطّة القطار،
والملاحم الصّفراء؛
يضحكون فوق الحجر المزروع بين نخلتين،
ثمّ يهربون كاللّصوص والأيائل الحيرى،
وأشبال الخيول..
في اللّيل،
يبكي الفاشلون والسّكارى والمحبّون،
وساردو الحكايا.. وأنا:
يبكي المحبّون لأنّهم سيضربون بالرّصاص،
فوق شهوة مرميّة في ملتقى الرّبا.. بغابات الرّحيل!
والفاشلون كلّهم يبكون،
ربّما لأنّهم تحالفوا مع الذّات،
فأخرجوا من الجنّة مطرودين،
والسّرّاد يبكون لأنّ اللّيل خانهم،
ودسّ في الحكايا بطلا أعمى، وأشخاصا ملاعين،
وكلبا، ومشعوذا، وفانوسا عليل!
أمّا السّكارى.. ربّما
يبكون خوفا من ولادة النّهار،
في حواسّهم،
ضعافا مستسلمين خضّعا كالحشرات،
في فخاخ نصبت فوق الحقول..
وها أنا أبكي؛
لأنّي ولد مجروحة أقدامه الصّغرى،
لكم أخاف أن يلسعني اللّيل بملحه،
فلا أقوى على تسلّق الجبال،
كي أدفن خوفي في قبور،
ملئت بالصّرخات.. والعويل!
في اللّيل،
تستحمّ جثّة الهواء،
بالبكاء العربيّ الأسود المقتول؛
لا تأويل لا حدس ولا رؤيا
فقط.. بكاء شاعر يسيل!