تثائب، تمطى، شرد بعينيه ليحدق في العدم!
دعوته ليشاركني قهوة الصباح، قرأت له الطالع فاهتزت أساريره، وارتجفت على شفتيه بعض الحروف… لكنه خشيِّ أن تصطادها عين الشمس كعادتها؛ فابتلعها، ثم انزوى.
لا أريد أن أثقل عليك يا قلم؛ لكن الأكسجين في رئتيِّ نفد، طال الغروب على نوافذي، وأيلول على الأبواب يعلن: أن الخريف يمد لسانه في كل اتجاه! وأنت خائف، مرتعد، منزوٍ، ولسانك آخذ بالانكماش!
يأخذني الوقت بعيدًا عنك… ولكني أعود.
لا أتعمد هجرك، ليس في نيتي نسيانك، لكن الوقت يحاربني بضراوة… وسيفي من ورق!
يهزمني الوقت جولة، وأهزمه أخرى… لكنني منذ عدة جولات استسلمت للهزيمة؛ ذخيرتي نفدت، وأنت معتكف منذ آخر خريف، ترفض أن تنحني للشمس، أن تقَّبِل أنامل القمر… ساقاك العناد إليه فداهمك خريف آخر.
أنا لا أخاف عليك من الخريف… لكن من الوقت! أخاف أن تفقد عنوانك، أن تعتريك بعض علامات فقد الذاكرة؛ فتنكرك الساحات والشرفات؛ لا وفاء للأماكن إن تاهت عنها الخطوات.
أريدك أن تبقى حيًا في ذاكرة الحروف؛ فلا تهجرك لبحور أخرى، وترتمي على شطآن غريبة، تتوسل غيمها، شمسها، قمرها، ومراكب الشقاء.
قل كلمتك الآن، لوح بالرفض، اكسر قوالب الانزواء، تمرد على نمور الوقت؛ وإلا فستهزم، وستصبح جسدًا خاويًا، ملقى على الأرصفة والطرقات… انطقها قبل أن يدفنك الوقت حيًا، ويصلي عليك في مرابع العدم.