أنا ..
وأعوذُ بالله مِنْ كلمةِ أنا ..
رجلٌ أملِكُ مِنْ كلِّ شيءٍ شيئاً ..
ألعبُ الشطرنج ..
والتنسُ الأرضي ..
وأشارك كلَّ عامٍ في سِباقِ الماراثون ..
أتقِنُ صَفَّ فناجينِ القهوة على طاولتِي ..
أرتِبُ المسارات للدُّخانِ المُتسرِّبِ مِنْ سِيجارتِي
أكتبُ الرسائلَ لكلِّ العُشاق ..
أقرأ في علمِ السكان والجغرافيا ..
أخترع نظريات في الاقتصاد ..
لم يعرفها كارل ماركس .. ولا آدم سميث
أقرأ الكتُب .. والدواوين ..
أكتب نصوصاً في فنِّ الطبخ ..
أدافع عنْ أخطائي بكلِّ عنجهية ..
ألهثُ ..
ألهثُ ..
ألهثُ .. كجوادٍ خاسرٍ ..
أنا لا أجيدُ شيئاً ..
كلَّ حبيباتي هجرنني بعدَ أولِ قبلةٍ ..
كلَّ رِفاقِي ماتوا في مُنتصفِ الطريق ..
كلَّ المُدنِ تقفلُ أبوابها في وجهي ..
حتى ديواني الوحيد ..
مازال ينام كاليتيم في أدراج مكتبتي
أنا ..
وأعوذُ بالله من كلمةِ أنا ..
رجلُ مَوهُومُ بامتيازٍ منقطعِ النظير
لمْ أتقنْ دور المؤمن ..
ولمْ أعرف كيف أكون كافراً جيداً
مأساتي أنني لا أحبُّ جَيداً ..
ولا أكرهُ جَيداً ..
أعيش على هوامش المشاعر ..
أتأرجح كمزهرية على حافةِ النَّافذةِ
أُطاردُ اسرابَ النَّحلِ ..
أتلذَّذُ بلسعاتِها ..
أتطَفَّلُ على نَملَةٍ تَبحثُ عنْ قوتِها
أنا رجلٌ بلاَ فائِدةٍ ..
لا أخذها .. ولا أُعطيها .. كما يقول رفيقي
أحفظ سرَّ الأخرين فقط لأن ذاكرتي مثقوبة
أقولُ ها أنا ..
فقط لأنَّ مرآتي تكذِبُ عليَّ منذُ زمن
أنا مُحسنٌ فاشلُ ..
لأنني أضع الدراهم في أيدي الشحاذين كي يراني الناس ..
وأصلِّي بخشوعٍ ..
كي يطلِبَ الأخرون دعوَاتِي
وأتفاخرُ بطوابير العاشقات على أبوابِ قصائدي ..
ورغم كلِّ هذا ..
فأنا عاشق فاشلٌ ..
وشاعرٌ فاشلٌ ..
وكاذبٌ فاشلٌ ..
أنا لستُ باراً بوالدي الذي لم أره ..
ولا بأمِّي التي ماتَت بين أحضاني ..
لستُ أباً صالحاً ..
ولا زوجاً طيباً ..
أنا ..
أعوذُ بالله من كلمةِ أنا ..
لا أدري …
من أنا !! …
فَمنْ ..
منْ يُخبرُني منْ أنا ؟ !! .