يقولُ ابني: ماتَ الأدْمِن، بعدَ يومٍ عَصِيب… البقاءُ لله!
تقولُ زوجتي، وهي تَنتِفُ شَعرةً بيضاءَ مِن مَفرِقها: تُوفِّي الشاعرُ والمترجمُ… كانَ حياتي!
وتقولُ بنتي الصغيرةُ، وهي تأكلُ بيضَها بالعَسَل: مِن أينَ طارَ بابا؟
بينما تقولُ الحامِلُ، وهي تَحفِن جَنِينَها أن يقَعَ: لن يرى “جِدّو”.
وتضحَكُ أختي التي ماتَت من قَريبٍ، وهي تُؤَرجِحُ عندَ وجهي “ما شاءَ الله” ذهبيّةً كانت تُحبّها، وقد باعَها زَوجُها بعدَما ماتَت: يا عَيني!
لكن لا أرى أمّي، منذ أن نَزفَت من أنفِها، وهي تموتُ سعيدةً كالأملِ.
بابٌ يُفتَحُ، وأزيزُ هاتِفٍ يَرِنُّ: مَن هناكَ؟
***
يحزنُ مَن يُحبُّني عن حَقٍّ: مُخلِصٌ دؤوب.
ويفرحُ أنصارُ “المُجايلَةِ حِجابٌ”: المَشرَحةُ تلُمّ، عنيدٌ تنتَفِخُ سَعادتهُ كلّما قَيّدناهُ!
فأنزَعُ نفسِي من أكفاني، لا أذكرُ أني مريضٌ، وأعرفُ كيفَ أقومُ دونَ مَشَقّةٍ.
أينَ كتابي؟ ينفَتِحُ السقفُ، فأرى وَجهي مَيتاً، والبردُ يهمِسُ لي بطريقٍ جديد.
صوتٌ داخليٌّ يَجمعُ الذبابَ على صَفحةٍ ومياهٌ تملأُ النافذةَ.
في البلكونةِ كالنارِ في قِطّةٍ… فرأيتُ أمّي!
زرقاءَ في أحمرَ شَفّافٍ كالفَراشَةِ حينَ تموتُ، لا تَمِيلُ أو تحزن، بزاويةِ فَمِها بقايا بَسمةٍ، وقد راحَ ظُفر إصبَعِها المُسْوَدُّ من الباذنجانِ، فصارَ مُشِعّاً مِثلَ بِلَّورٍ، وبالُها خَلِيٌّ، حينَ مَسكَت بطَرفِ يدِي تَنوَّرْتُ: لا تَخَف، هنا ستَرتاح.
***
موسيقَى تَستَهِلُّ الإقامةَ في مكانٍ كلّهُ فِضّةٌ سوداءُ، مليءٌ بأماليدَ مقصُوفةٍ، وأثداءٍ حمراءَ ملساءَ تمشي وَحدَها في الشمسِ!
تحتَ النَّفَق، حُلمي تَحقَّقَ، أَهِيمُ بقَدمَيَّ، ولا تَعنِيني العَصا، لكأنّي سَجِينٌ بفرحةِ أن أتنَفَّسَ.
حِبرٌ غيرُ مَرئيٍّ من دَمِي، بَصَماتٌ على صَخَرٍ، ثم اختَفَى اللّمسُ.
على جانبٍ، نُوتِيٌّ في قاربٍ. ينادِى، برأسهِ ظِلٌّ من سَحابٍ: لن يزوركَ البلبلُ، فهو مريضٌ، واربُط حِزامَ النجاةِ!
لن أكتُبَ؟ طيّب…، ولا كِلمَةً فحَسبُ في فضاءٍ، وأفرَحُ بتلاوِينها…؟ ولماذا كلُّ هذا الثلجِ في ضَوءِ القَمر!
أُفقٌ هناكَ إلى غرفةٍ، وما يبدو كمِثلِ قِطارٍ إلى نُقطةٍ.
***
أَطرَحُ ظِلِّي، والـ “كا” قَرِيني يَلزَمُني، ويُلزِمُني ببرنامجٍ أن أزرَعَ الرملَ في صَفٍّ، عندَ أولِ الشاشة.
لماذا أرى الحُبَّ يَخمِشُ السماءَ، أمامَ حَشدِ وجوهٍ لا ملامِحَ لها، لا عيوناً أو شفةً، لا تعابيرَ أو حركاتِ غضب؟
حائِطٌ، وعليهِ بقايا كلامٍ، من اسمي!
تغطَسُ الشمسُ في بئرٍ من الفَحمِ، رَمزٌ على منظورٍ.
الشجرةُ والسماء، تجمعان حياتي في سَلَّةٍ كالنِّفايةِ، ثم حُضورُ العَمَى.
مَن يُرِيدُ المَزِيدَ، وإن قليلاً: لن تَمشِي خُيولُ النَعشِ!
أفتَحُ ظَهري لمن يرغَب، فتزورني الشَّوكَة.
شعر: محمد عيد إبراهيم