لصحيفة آفاق حرة
إعلان ساعة الصفر ( 7 )
عصمت شاهين دوسكي
شهادة واقعية على الإرهاب الجديد *
تعاقبت الانكسارات تلو الأخرى بعد خسارة الجماعات الإرهابية مدينة ” الرمادي وتكريت ومصفى ببجي والفلوجة ” ، الجميع في الموصل ينتظر ساعة الصفر لتحرير مدينة الموصل وفي هذه الأيام العصيبة كثر الهروب من المدينة وكان هناك سواق مختصين لنقل الناس إلى حدود سوريا ومن ثم إلى تركيا أو إلى ” دهوك واربيل وسليمانية وكركوك ” ، سعر الهروب لكل شخص كانت سابقا ” ثلاثمائة دولار ” وكلما اشتدت الأزمة ترتفع الأسعار إلى أن أصبحت ” ألف وخمسمائة دولار ” للشخص الواحد وقد حدث هذا لهروب امرأة موظفة تدعى ” أمل ” بعد التمويل الذاتي كانت تأخذ خمسة وسبعون ألف دينار لكل شهر ، أصدر أمر إعفاؤهم من الخدمة لكبر أعمارهم فجلسوا في البيت بلا راتب فقررت الخروج من مدينة الموصل في عز الأزمة القوية القاسية ، باعت أثاثها وكل ما لديها وبمساندة بعض الأصدقاء تم الاتفاق مع السائق بشكل سري بمبلغ ” ألف وثلاثمائة دولار ” لضيق حالتها المادية وفي وبسرية تامة الساعة الثانية ظهرا حضر السائق بسيارته الحديثة الصفراء ليأخذها مع عائلة أخرى إلى حدود سوريا وفعلا وصلت ” قرية بعاج ” بعد المرور بطريق ترابي بعيد عن أعين الدواعش باتت يومين عند عائلة لهم صلة اجتماعية مع السائق ولم تكن هي وحدها بل مجموعات أسرية أخرى من رجال وشباب ونساء وأطفال ، في اليوم الثالث في شدة حر شهر حزيران من أيام رمضان الأولى أتى الدليل ليأخذهم لطريق متفق عليه سابقا بسيارات نوع بيكم وكان الطريق ترابيا والشمس المحرقة فوق رؤوسهم والرياح الترابية تلفح وجوههم المتعبة إلى أن وصلوا إلى خيمة كبيرة قريبة من الطريق المحرمة يجب تجاوزها حيث على جانبيها ألغام والشخص المرافق لهم الدليل قال لهم :
” سيروا بحذر مشيا على الأقدام ، فأي حركة خاطئة على اليمين أو يسار ستنفجر الألغام وكلنا نموت أشلاء في هذه الأرض الجرداء ..” .
وكانت الساعة التاسعة ليلا لكن ضوء القمر يساعدهم على المسير وبحذر وخوف وقلق الواحد وراء الآخر إلى أن وصلوا قرب الساتر السوري في الساعة الواحدة ليلا ، تركهم الدليل حيث مهمته انتهت وبقوا قرب الساتر وناموا في العراء مع الجوع والعطش ، وفي فجر اليوم التالي ساروا إلى المنطقة الأقرب إلى الساتر السوري حيث نقاط الحرس الحدودي بين العراق وسوريا أمروهم أن يبقوا في مكانهم إلى أن تأتي لجنة تفتيشية أمنية وفي الساعة السادسة مساء بعد توسل وإذلال كبيرين أتت لجنة أمنية وهم من كرد سوريا ونادوا المجموعات الأسرية وعبروا الساتر وتجمعوا للتفتيش واخذ معلومات منهم وفرقوا الرجال عن النساء واخذوا الهويات الرسمية ثم بعد الانتهاء من هؤلاء الأسر والذي يقدر عددهم ” ثلاثون عائلة ” حيث كل وجبة تختلف أعدادهم ، أمروهم بركوب السيارات الكبيرة وأخذهم إلى ” مخيم الهول ” الذي كان مأساويا حيث كل خيمة فيها ثلاث أسر مع قلة الماء والطعام وهبوب الرياح الرملية والتعايش على المآسي الإنسانية فبدلا من أن يكون هناك أمانا وراحة في الخيام يتجرع الهارب من الدواعش الأمرين أمر مسئولي هؤلاء الغرباء الذين يعيشوا على مصالحهم الذاتية والعسكرية وأوامر من الجهات العليا ، وكانت الموظفة ” أمل ” تنتظر مصيرها المجهول في ظل هذه الأزمات الإنسانية لكن المهم ابتعدت عن شر داعش لتقع في شر الأزمات الإنسانية حيث آلاف العراقيين الهاربين من الظلم والجوع والخراب والدمار يحلمون بالخلاص ، بعد جهد جهيد ومرور فترة خمسة وأربعين يوما من العذاب والجوع والصبر على المكابدات والمعاناة وبواسطات واتصالات بذوي من لديهم الأمر من ضباط ومشرفين ووجود بعض من لديهم الرحمة والإنسانية وصلت ” أمل ” إلى بيت أخيها في دهوك حيث استقبلت استقبال المهاجرين من ظلام الفقر والجهل والخوف والقتل إلى نور السلام والأمان في مدينة دهوك ، هروب الناس من الموصل مستمر وهزائم الجماعات وإفلاسهم في كافة القواطع العسكرية والمدنية مستمر ، إلى أن أذنت ساعة الصفر في الساعة الثانية عشر ليلا من يوم 17/ 10 / 2016 أعلن رئيس وزراء العراق وقائد الجيش ” حيدر ألعبادي ” ساعة الصفر لتحرير مدينة الموصل بمنطق القوة بعد التحضيرات العسكرية المكثفة مع الحلفاء والمساند الرئيسي أمريكا ،
ابتهج الناس ومنهم من بكى بكاء الفرح لهذا الخبر بعد طوق وقيود وظلام أكثر من سنتين ونصف ألام وجراحات وآهات ودمار وتخريب وجوع وفقر وإذلال المواطن الموصلي بشتى الطرق والأساليب وبقدر شدة التطرف والتشدد تسرع نهاية هؤلاء الجماعات فلا قدرة لهم على الإرادة القوية الصلبة ولا قابلية الاندفاع والدفاع لأن كل التصرفات الهمجية لا احد يتحملها ويطيق وجودها ، فبدؤوا بتدمير كل شيء كل ما يتعلق بالأبنية المدنية وحرق وتفجير كل الدوائر الرسمية والحضارية والاجتماعية والخدمية ، كل ما يستفاد منه المواطن الموصلي ، طريقة اقتحامهم وعنفهم وشدتهم ورغبتهم للتدمير والخراب وصلت ذروتها وبشكل علني وقتل الناس أصبح مسلسلا دراميا يعرض كل يوم بشكل وصورة جديدة حيث علقوا على أعمدة الكهرباء المنتشرة ، رجالا بكافة الأعمار في كل مناطق الموصل أجساد أموات بملابس برتقالية اللون الخاصة بالموت ، تهورهم غضبهم انفعالهم يكبر كلما اشتد قصف الطائرات الحربية مواقع تواجدهم حيث كانوا يختبئون بين الناس وبين البيوت المدنية ووجودهم بين المدنيين قتل الكثير من المدنيين بحجة تواجد الدواعش، النقاط الإعلامية دمرت بشكل كامل أيضا كانت بين البيوت المدنية ، قتل الأبرياء المدنيين لا يعد ولا يحصى المجموعات الأسرية الكثيرة تحت الأنقاض إن الأهداف لم تكن بتلك الدقة المتناهية حيث الصواريخ أحيانا تقع على بيوت المدنيين الذين يسترون أنفسهم في غرفة أو تحت الدرج ، لكن الصواريخ الحديثة المتطورة لا يقف أمامها أي شيء في البيت وعمق البيت في سقوط الصاروخ ترى أعضاء الإنسان البشرية أشلاء بين الخراب والدمار ولحوم البشر معلقة على الجدران المشروخة من قوة تأثير ودمار الصواريخ الحديثة الصنع فلا يبقى أطفال ورجال ولا نساء عزل إلا أشلاؤهم تحت الأنقاض ، حينما سئلت ” مادلين اولبريت ” عندما كانت سفيرا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة ،
سألتها ” ليسلي شتال ” عن إحساسها تجاه مقتل نصف مليون طفل عراقي ..
أجابتها : نعتقد بان الثمن كان يستحق
وكان يتداول بين الناس أن الوزير السابق نوري المالكي قد باع ثلت العراق ويقصدون المناطق السنية ” الموصل والرمادي وسامراء وصلاح الدين ” وقد استلم الثمن ..!! يا ترى هل حقا وزير العراق وقائد الجيش السابق المالكي باع ثلث العراق أم باع العراق كله ؟ تسارعت الأحداث وبدأ هجوم الجيش العراقي مع البيشمركة في التحرك على مناطق ” الحمدانية وبرطلة وكوك جلي ” والطائرات مستمرة في قصف مواقع الجماعات مع سقوط الكثير من الضحايا المدنيين العزل ، كنا نرى إشارات السكون الظاهري على وجوه الدواعش لكنه السكون الذي يسبق العاصفة ، وجدوا بعض الناس أماكن أخرى وطرق مختلفة للهروب لكن بحذر شديد ومن يقع بين أيديهم يقتل فورا فحينما يرون الناس تهرب يرموهم من بعيد فيقتل من يقتل ولا يهم عندهم إن كان طفلا أو امرأة أو شابا أو معوقا أو مريضا أو كبير السن والكثير منهم قتلوا وأجسادهم ملأت الأزقة والشوارع ،ومن يعبر بسلام ينتهي المصير في خيم الأمم المتحدة وخيم أقامتها منظمات إنسانية قرب اربيل ودهوك وسليمانية للنازحين والهاربين من الوضع المأساوي ، تحررت المناطق تلو الأخرى لكن بعد تدميرها وخرابها من قبل داعش ومن ثم يكمل عليها القصف الجوي الكبير والمدرعات والقاذفات العسكرية البرية وسطرت الفرقة الذهبية خاصة أروع البطولات في الهجوم والتقدم السريع والتحرير وإنقاذ الناس من أيدي داعش وتقديم العون لهم ومساعدتهم للوصول إلى المخيمات وكانت اغلب الأسر تترك الخمار وتلعن داعش وتصرخ وتنوح هيجان وفوران وهم يبكون أمام كاميرات القنوات العربية والعالمية ، مأساة حقيقية لناس أبرياء ذنبهم ولدوا على ارض العراق وفي مدينة يحبونها اسمها الموصل ، تناقلت الأخبار وصول القوات العراقية إلى مناطق ” السماح الأولى والثانية ” ، والحال يرثى لها يوم بعد آخر وكان العالم كله اتفق على تدمير هذه المدينة الجميلة أم الربيعين فالدمار يزداد والخراب ينتشر وكان شبح الموت مقيما في الموصل وحدها دون مدن العالم ليسرق أرواح الرجال والنساء والأطفال ،إنها إبادة جماعية .
منسق البرنامج الإنساني للأمم المتحدة في العراق ” دنيس هاليداي ” اضطر للاستقالة بعد أرغامه على تنفيذ ما اسماه ” الإبادة ” كذلك فعل خليفته ” هانزفون شبونيك ” يا ترى هذا هو دور الأمم المتحدة الإبادة سابقا وحاليا ومستقبلا ؟ شبح الجوع والظمأ والمجاعة انتشر في المدينة وكثير من الناس ماتوا جوعا حيث انقطعت طرق الموارد الغذائية الآتية من سوريا وتركيا بسبب تحرير الموصل، ومن تأثير القصف الجوي ودمار داعش انقطعت مشاريع المياه من الضخ بسبب التدمير وانقطاع الكهرباء وعدم توفر النفط لتشغيلها ، وفي ساحة ” باب الطوب ” المكتظة بالناس حيث مصدر البيع والشراء لكافة المواد المنزلية ،
امرأة تفرش الشارع ووضعت أطفالها الثلاثة تعرضهم للبيع والعبرات في عينيها ، سألوها عن السبب :
قالت : زوجي قتل وليس لي مورد ومصدر للعيش ، أبيعهم أفضل من أن يموتوا جوعا أمام عيني واحدا بعد الآخر .
دموعها أبكت الجميع ، تكررت هذه الصور الإنسانية المأساوية المؤلمة التي هي وصمة عار على جبين حقوق الإنسان في كل مكان في العالم ،هذا النفط منذ خمسين عاما نسمع عنه ،وارداته وثروات بلد النهرين ليس لأهل البلد بل أصبح نقمة على أهل البلد ونعمة وثروات وجاه للأطماع السياسية والدولية ووسيلة للتدمير والخراب والمجاعة ،فاعتماد الدول العالمية على النفط جعل الاستعمار الجديد يعتمد على الدول الغنية بالنفط ، والضحية الأولى والأخيرة الناس البسطاء ، مثلا في اتفاقيات ” اوسلوا ” صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق ” شلوموا بن عامى ” اتفاقيات اوسلوا قامت على قاعدة الاستعمار الجديد ، حيث يعتمد طرف على آخر مدى الحياة ” .
وأظهرت الأحداث الدولية أن ليس هناك سلام في الشرق الأوسط بل تأكيد على مبدأ سيادة القوة في العلاقات الدولية سواء على مستوى السياسة أو الحروب أو على مستوى الفكر والعقيدة ، هكذا أصبح الإنسان تحت المطرقة الدولية الأممية التي تقرر وتستنتج وتنفذ أفكارها التي تهم مصالحها ، خلال أكثر من سنتين ونصف من وجود داعش في الموصل وسيطرته على ثلث العراق
والتهجير والتشريد والنزوح ومآسي الناس والقتل بأنواع وصور جديدة والذبح والتدمير والتخريب والمجاعة الإنسانية كان المواطن الموصلي يتساءل أين دور دول الخليج العربي ؟ أين دور ومهام الجامعة العربية ؟ أين دور منظمة حقوق الإنسان ؟ أين هيئة الأمم المتحدة ؟ أين المواثيق والعهود والقوانين الدولية التي تعني وتحمي الإنسان ؟ وأين ، وأين ، وأين ..؟ حتى الذين أتوا على حكم العراق شغل الشاغل المنصب أنا وما بعدي الطوفان وكثرة الأحزاب زادت الطين بلاء حيث كل حزب أصبح دولة ومات الشعب بين المناصب والأحزاب ،نتيجة هذا الصمت المتعمد مقتل الآلاف المؤلفة من الأطفال والشيوخ والشباب والنساء وهروب الملايين إلى دول الجوار كتركيا وإقليم كردستان ثم لجوء اغلبهم إلى دول أوربية ، تدمير المدن السنية رمادي، فلوجة ،تكريت الحويجة ،سنجار ، حمدانية ،برطلة ، بعشيقة ، تل عفر ، الموصل ، إنها إبادة جماعية مروعة تحت ذرائع عدة وأصبحت الموصل منكوبة .
***
* انتظروا الجزء الثامن من رواية الإرهاب ودمار الحدباء