تعدّ الأخلاق قوام هذه الدنيا فلا معنى حقيقيًّا لحياتنا دون التحلي بالأخلاق النبيلة التي حرص المشرع في الامتثال إليها، ولهذا فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: *”إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”،* وهذا يعنى أنّ الأنبياء السابقين عليهم السلام جاؤوا بمكارم الأخلاق، وإنّ حضاراتهم بنيت على ذلك في تلك العصور الخوالي، ولكنّها لم تكن أخلاق تامة، ونبيّنا الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام، بعث ليتمّمها، ومن المروي في الأحاديث الشريفة:
*”ما من شيءٍ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق”.*
إنّ الشخص ذو الأخلاق الحميدة لا يسيء للآخرين مهما كان وضعه وسنه وثقافته وميوله ومعتقده إلّا وقد أساء إلى تربيته، فالإساءة للآخرين مهما كان حجمها وشكلها هي في الأساس انعكاس الأخلاق، فإن كانت الأخلاق حميدة فهي من حسن التربية، وإن كانت عكس ذلك فهي من سوء التربية بلا شك.
يقول مارك توين:
*لا يهمّني أن أكون شخصًا كاملًا، يكفيني أن أكون شخصًا لا ينافق، ولا يخون، ولا يجامل، ولا يعرف الناس وقت الحاجة.*
وهذا يعني على الإنسان أن يعيش النقاء بداخله، فلا يحمل حقدًا دفينًا ضدّ الآخرين، ولا يحمل كراهية ضدّ أحد حتى وإن أساؤوا عمدًا له، هذا فضلًا عن أنه يسيء لهم دون أدنى ذنب ارتكبوه، وهذا لا شك خبث في الأنفس وضلالة في التفكير.
إنّ الأرواح التي تحمل النقاء لا يمكن أن يعتريها أو تلوّثها الكراهية ضدّ أحد مهما كانت مواقفه، فالأرواح النقية تحمل قناديل المحبّة والتسامح والأمل والسلام نحو الآخرين مهما كانت صفاتهم.
لا شك بأنّ هناك تقاربًا بين أرواح الشياطين وأرواح العتاة المردة من الذين مالوا إليهم، فتلبسوا بعباءة الدين وهم بعيدون كلّ البعد عن نهج الصلاح والنهج القويم، فليس المسلم الحقيقي من صلّى وصام وهو يحمل الكراهية بين جنبيه.
لقد علّمتنا الأيام أن ندرك قيمة كلّ امرئ، ولا سيّما ما يعكسه من سمو في الأخلاق، وما يقدّمه داخل مجتمعه، ويظلّ يعكس صورة ذلك الإنسان النقي وهو محكّ القول كما يراه أبناء المجتمع.
إنّ سلوك التربية تنعكس على الإنسان من خلال معاملاته مع الناس ولا سيّما أبناء مجتمعه، فهو لهم أقرب من غيرهم، وبالتالي يتفادى المحاذير التي تنعكس سلبًا على تربية والديه.
وفي هذا الجانب نراه يضحي بكلّ ما أوتي من قوة ليبرهن حسن سلوكه، فهو الكنز الذي يحتفظ به عند الآخرين ولا يهمّه ما قيل ضدّه من سلبيات وهو على يقين بعدم صحتها، بل يكفيه أنه نقيٌّ من الداخل، وهذا هو الأساس وهو جوهر النقاء في الروح.
أما الشخص الذي لا تهمّه سمعته وتربيته، فهو يتصرف ضدّ الأخلاق وضدّ المبادئ وضد الإنسانية، ويعتبر ذلك نصرًا له، وهو لا يعلم بأنّ ذلك منزلق لا يرضاه المشرّع، ولا ترضاه أكايس الناس.
____________
منتدى النورس الثقافي الدولي بالقطيف.