بقلم / د. وسيم وني عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين
جميع العالم بات يدرك تماماً بأن السبب الرئيسي وراء استئناف العدو الإسرائيلي لحربه الشعواء ضد شعبنا الفلسطيني هو الدعم اللامتناهي من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الغربية ذات المطامع الاستعمارية ومن يدور في فلكهم، فجميع وسائل الإعلام العربية والدولية تنقل وبشكل مباشر لحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة وجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والتي يقدم من فيها آلاف الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى وكل ذلك من أجل دحر الاحتلال ورحيله عن أرضنا ليتسنى لشعبنا اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
فمصطلح الإبادة الجماعية ينطبق على ما جرى ويجري في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة ، إذ يخضع الإنسان في غزة “عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميره المادي كلياً أو جزئياً”، مثلما يرد في المادة الثانية من اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية، من خلال الحصار وفرض إدخال محدود للمواد الغذائية، فيتأثر جميع السكان بذلك، ولا سيما الأطفال الذين يبقون على قيد الحياة، والذين سوف يعانون من نقص في النمو، ما يعني قتلاً مستقبلياً لجماعة كاملة من البشر، كما عرّفت محكمتا يوغوسلافيا ورواندا الإبادة الجماعية.
وقد وضع الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية العديد من الأهداف كالقضاء على المقاومة الفلسطينية واستعادة الأسرى الإسرائيليين وتغيير الواقع والوضع الديمغرافي ومحاولات التهجير في غزة لصالح الاحتلال وهذه الدول ، وبالطبع كل هذه المخططات بعد شهرين من هذه الحرب المدمرة والإبادة الجماعية التي دمرت وقتلت كل شيء والتي لم تميز بين طفل أو شيخ أو أمرأه وهدمت المنازل فوق رؤوس ساكنيها ودمرت الجوامع والكنائس واعتقل و فقد الآلاف إنما تدل على شيء واحد ألا وهو على الحقد الدفين لدى كيان الاحتلال ومن يقف خلفه على كل ما هو فلسطيني وفوق كل ذلك ثمّة من يريد تجريم الضحية تحت حجة الدفاع عن النفس ، كما إن الأحداث الأخيرة التي يشهدها قطاع غزة ليست وحدها التي تُعد جريمة إبادة جماعية، بل إن ما مورس من قبل قوات الاحتلال منذ أعوام طويلة في القطاع كان بمثابة إبادة جماعية أيضاً.
وبالقانون الدولي فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948 تحت الرمز “260 – أ (د-3)”، “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” التي “دخلت في حيّز النفاذ سنة 1951، وحتى حزيران/يونيو 2015، صدقت 146 دولة على الاتفاقية. ومع ذلك، تسري أحكام الاتفاقية حتى على الدول التي لم تصدق عليها، وذلك بموجب حكم أصدرته محكمة العدل الدولية اعتبر اتفاقية منع جريمة الإبادة دونت قانوناً دولياً عرفياً (الفتوى القانونية في 28 أيار/مايو 1951)، والذي يكون ملزماً لجميع الدول وقد تعزز هذا بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة الذي ذكر فيه أن الاتفاقية شكلت جزءاً من القانون العرفي (لتقرير رقم S/ 25704 المؤرخ 3 أيار/مايو 1993)، وقد أعاد مجلس الأمن تأكيد ذلك عندما اعتمد التقرير في قراره رقم 827 (5 أيار/ مايو 1993).
وهنا أثبتت دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأنها جهات محرضة، إن لم تكن شريكة وبشكل مباشر ، في جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وذلك من خلال اعتبار كل ما تقوم به إسرائيل بمثابة دفاع عن النفس، على الرغم من أنها كيان احتلال وليست صاحبة الأرض فلا ينطبق عليها مبدأ الدفاع عن النفس، فالرئيس الأميركي جو بايدن حلل دم أهل غزة وأعطى إسرائيل الضوء الأخضر لارتكاب إبادة جماعية، حتى إنه وافق على مسعى إسرائيل لطرد أهل غزة من أرضهم ودفعهم إلى صحراء سيناء، وهو الأمر الذي رفضته مصر حتى الآن، وظهر الدور الأميركي المباشر في الإبادة الجماعية من خلال زيارات وزير الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن، وتأكيد جميع مسؤولي وموظفي الإدارة الأميركية تأييدهم لما تقوم به إسرائيل، وتزويدها بصنوف من الذخائر المحرمة دولياً وتلك التي لا يجب أن تُستخدم ضد السكان ومساكنهم.
ولا يمكن استثناء قادة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا من المسؤولية المباشرة عبر تأييدهم هذه الجريمة، أو من خلال سكوتهم عنها ، وهدف كيان الاحتلال من وراء هذه الحرب الاجرامية العدوانية، هو إجبار شعبنا الفلسطيني في غزة على الرحيل والتهجير ، وطلب النجاة والبحث عن حياة اخرى افضل خارج القطاع وبالطبع فشل الاحتلال فشلا ذريعا لأن شعبنا في القطاع مصمم على عدم الرحيل او التخلي عن بلاده لكيان الاحتلال.
وبالطبع العالم بأسره يعلم بأن جميع الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الصادرة عن مختلف هيئات الأمم المتحدة، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، قد تجاهلتها إسرائيل بدعم من حلفائها في الغرب والولايات المتحدة ، ولسوء الحظ فإن إسرائيل والجهات الفاعلة الأخرى المرتبطة بها، سواء كممثلين حكوميين أو عسكريين، تمتعوا بمجموعة واسعة من الإفلات من العقاب والحماية من المجتمع الدولي على كافة جرائمهم والانتهاكات والفظائع التي يرتكبونها بحق شعبنا الفلسطيني، إلاّ إنه من الضروري استخدام كل ما هو متاح من آليات لملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكلها جرائم لا تسقط بمرور الوقت، جنباً إلى جنب مع جميع الأدوات النضالية الأُخرى، وفق الظروف الناشئة، كل في حينه.
وأخيراً إن السلوك المتوحش للاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني يتطابق مع سلوك القوى الإمبريالية والشر في كل عصر، فهو امتداد لوحشية وإجرام المغول والنازية والتي اعتمدت المجازر والبطش بالشعوب والمدنيين، وسيلةً للإخضاع، وطريقًا للسيطرة والهيمنة ، وبالرغم من هذه الممارسات على كيان الاحتلال ومن يدعمه أن يعوا تماماً بأنه بدون حصول شعبنا على كامل حقوقه الوطنية بعودة اللاجئين وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، فانه لا امن ولا استقرار ولا سلام في المنطقة وستبقى كالبركان تثور بين الفينة والاخرى مهددة السلام والامن والاستقرار في العالم أجمع.
ونحن نرى اليوم الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق شعبنا الفلسطيني والتي فاقت في إجرامها وبشاعتها مجازر دير ياسين وبلدة الشيخ و قرية أبو شوشة والطنطورة و قبية و كفر قاسم وجنين وبقية المجازر، وسط تدفق الدماء على امتداد أكثر من 70 عاما.. ومع ذلك فإن شعبنا الفلسطيني الجريح سيبقى صامداً وشامخاً حتى انتزاع حقوقه وأرضه المسلوبة … فالإبادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني لن تكسر صموده.