كثيرة ومتنوعة هي مفاهيم الفخر لدى الشعوب في مختلف الحضارات عبر العصور، حتى أن بعضا من الشعر العربي تكلم عن ذلك عبر أبيات اختزلت المعنى والأبهة ، وبذلك لن تكون لكلمة الفخر بعدا سوسيولوجيا أو سياسيا سوى أن صانعيه يمجدون أبطالهم وقاداتهم بصنيع البطولة في الثورات أو الحروب أو الغزوات على اختلاف المصطلحات..
يقول عنترة :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني، وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
كما يقول الشاعر الإسلامي عمير بن الحمام الأنصاري:
ركضنا إِلى الله بغير زاد
إِلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
نستقرأ من خلال هذه الأبيات أن الشعور بالفخر يتنوع بين معاني الجهاد والصبر والتقى والبر والرشاد، وقد كان لنهج الجزائر عبر التاريخ منوال للفخر عبر ثورات امتدت قبل الاستدمار الفرنسي وشهد بذلك التاريخ عينات من تعاقب الحضارات مرت بها الجزائر لتظهر في الوقت نفسه من صناعة هذا المصير أسماء لامعة أبلت بلاء حسنا في المقاومة والجهاد والتضحيات الكبيرة ،وما بقاء الدولة بعمودها العصيب على الأعداء الا بفضل صمود الرجال في مقارعة المستعمر بكل الطرق المتاحة وحتى غير المتاحة من أجل أن لا يتمكن أي حاقد على الجزائر من اسقاطها طعما سائغا للعابثين والمنتهزين للفرص التي تأتي مغلفة تحت غلاف المناداة باسم الديمقراطية أن المطلوب غير الموجود الآن .
فما مرت به الجزائر عبر سنوات الجمر خاصة العشرية السوداء والتغيير السياسي منذ بدء الحراك ترجم منهجية أبناء الجزائر البررة في الحفاظ على متانة وسلامة مؤسسات الدولة من أي خطر قد يزعزع استقرارها أو سيرورتها ،فكان لزاما السهر والتخطيط واليقظة في كل وقت وهو مازاد في نضج الفكرة السياسية القائمة على أن الوطن لا يحميه الا أبناؤه، في ظل مساومات المترصدين التي لا تتوقف ولا تنكف أن تزيد من محاولة الإيقاع بكل مبادرة طيبة لتحول سلس بفضل الوعي الذي يوضح المؤامرات والدسائس التي تُدس سما في عسل حتى يتم التغلغل كالسرطان في مفاصل الدولة واحداث مخطط التقسيم بنجاح وهو ما يعكف عليه الرجال الحقيقيون المتمسكون بوحدة التراب الوطني وعدم السماح بتجزئته ليسهل نهب خيراته وثرواته ، فحكومات الدول الجائعة مثل فرنسا وبريطانيا على مر العصور اعتادت على استنزاف خيرات القارة الافريقية من معادن ثمينة وموارد غذائية ومنتجات ذات نوعية وجودة، فما يبطن من محاولات الإبقاء على بعض العلاقات الديبلوماسية مع الجزائر رغم التاريخ الأسود للمستعمر انما هو الإبقاء على ثقافة الاستنزاف وهو ما تفطنت له أجيال اليوم التي تعمل في الظل وفي العلن للإبقاء على ثروات الأجيال محفوظة وبتر كل يد تحاول المساس بالسيادة الوطنية ،وعليه كان لفخر الجزائر كبلد حافظ على الأمن والاستقرار ضمن موجات الربيع العربي ومخططات تقسيم العالم العربي أنها دولة تعتمد كلية على جهود متوازنة في أكثر من صعيد سواء في سياسة خارجية لتحقيق ميزان القوى لدى من يملك الثروة والموازنة الديبلوماسية المحنكة أو عبر الصعيد الاجتماعي في الحفاظ على النسيج المجتمعي من الانحلال والتفسخ ،حتى صارت هذه الأجيال واعية بضرورة عدم الوقوع في مطبات الماضي التي راح ضحيتها أرواح وخسائر مادية ومنه كان هذا الفخر يفرض على الساهرين على أمن وسلامة الوطن أن تكون الجاهزية دائما على المستوى العسكري والأمني بصفة عامة لأنه صمام الأمان لباقي الأنشطة الأخرى التي تضمن استقرارا دوليا وبالتالي خوض المعارك الجديدة اليوم والمتمثل في معارك الوعي ورفع مستوى الحس الفردي متمثلا في الحس المدني على أهبة واحدة للوقوف صفا متراصا من أجل حياة كريمة .
ان استمرار الدولة الجزائرية جسدته سواعد آمنت أن الفخر الوطني لا يقدم هدية على طبق من ذهب من الآخر بل هو حق يُحافظ عليه ،لأن الأمر يتعلق بالدفاع عن أمانة الشهداء التي لن يعرف قيمتها الا من عرف أن الفخر يرفعه رجال مخلصون لا يتنازلون قيد أنملة عن شبر أو ملكية أو ثروة حيزت للأجيال الصاعدة حتى لا تتم المساءلة عمن لم يعرف كيف يحافظ على هذا الموروث الحضاري العريق بتاريخه.
هو الفخر الذي تتبناه الجزائر بكل معاني التضحية والنضال المستمر ولن يبقى مجرد أبيات شعر يتغنى بها الملحنون والشعراء لتمجيد الأدب من أجل الأدب.. فالمجال أوسع بكثير حين يتعلق الأمر بفكرة الند للند حفاظا على الوطن.