بقلم محمد عبد الكريم يوسف
مقدمة :
لقد مضى نصف قرن على ظهور كتاب مارشال ماكلوهان الذي يحمل عنوان : “مجرة غوتنبرغ : وصناعة إنسان الطباعة .” حيث قدم فيه مصطلحا جديدا للعالم وهو ” القرية الكونية “ ولكن السنوات التي انقضت حتى الأن أضافت إلينا حقيقة واحدة وخاصة منذ العام 2011 مفادها أن الكون تقلص ليصبح بطول وعرض غرفة المعيشة التي نمارس حياتنا فيها . وصار بإمكان الإنسان أن يشاهد جحافل جيش الاسكندر الأكبر وهو يهزم الفرس في معركة أسوس عام 333ق م ويشاهد قصف بغداد في الليل أو العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان أو قصف غزة أو اجتياح داعش لأجزاء من سورية والعراق وهو يتناول وجبة عشاء.
في عالم اليوم ، حيث تسيطر المصالح الاقتصادية على كل شيء في الحياة وتطلق العنان للحروب العالمية وتخرب القيم الإنسانية وتحطم المثل والعائلات والتقاليد ، صارت السيطرة على محتوى الخطاب الرقمي في هذه القرية الكونية على درجة كبيرة من الأهمية .
ويبدو أن تصحيح الحكيم كونفوشيوس للأسماء قد سقط من قاموس الحكام اليوم فقد وجد أولئك الذين في موقع السلطة والنفوذ طريقة لاستخدام اللغة كشاشة من دخان هدفها التعمية أو مرآة مقعرة تشوه الصور وتم استخدام الكلمات واللغة لإخفاء المعنى المراد والحقيقة بدلا من نقلها بصدق وأمانة . إنه التدليس بعينه.
لقد صار الازدواجية في التفكير والحديث قاعدة مهمة من قواعد لغة السياسيين والعسكريين ووسيلة من وسائل التواصل بين الأطباء ورجال الصحة لخداع الجمهور عمدا وقصدا واتهامهم بأنهم هم أنفسهم من أساء تفسير الرسالة .
يسمي الخبراء الازدواجية في التفكير والحديث في الخطاب السياسي والعسكري والاقتصادي باستراتيجيات التخاطب اللغوي، ويتم تدريس هذه المفاهيم في المعاهد والكليات الدبلوماسية وكلما اتقن المتدرب البلاغة اللغوية في الخطاب صار أكثر نجاحا في الحياة .
تهدف هذه الدراسة إلى البحث عن معنى وأصل مصطلح “الحديث المزدوج” وكذلك بيان أبرز مظاهره ، بحيث يستنتج كل منهما استنتاجًا بشأن طبيعته واستخدامه إلى جانب آثاره الاجتماعية بناءً على الأحداث البارزة في مجالات السياسة والحرب وممارسات التأمين الطبي المعاصر.
اللغة والمعنى
وفقًا لقاموس أكسفورد للغة الإنكليزية المعاصرة ، فإن أحد التعريفات الوظيفية للغة هي: “الكلمات وطرق دمجها للتعبير عن الفكر” وبالتالي ، يمكن استنتاج أن ذلك يعني (أي المتحدث) ينوي التعبير عن شيء ما يتم إنتاجه من خلال عملية اختيار واعية وتجميع وتنميق وتلميع بحيث يظهر جميلا للمستمع .
لقد فهم المفكرون العظماء دائمًا أهمية العملية المذكورة أعلاه والآثار الاجتماعية لنتائجها المقصودة . في عام 500 قبل الميلاد أو قبل ذلك بقليل ، قدم المفكرون والمحللون في العقيدة الكونفوشيوسية فكرة “تصحيح الأسماء” ، والتي بموجبها “يكون لكل إجراء كلمة تصفه وإذا لم تكن الأسماء صحيحة ، فلن تتوافق اللغة مع حقيقة الأشياء و إذا كانت اللغة لا تتوافق مع حقيقة الأشياء ، فلا يمكن الاستمرار في الأمور نحو النجاح. وقد افترض كونفوشيوس أنه في غياب تصحيح الاسم ” لا يعرف الناس كيفية التحرك باليد أو القدم ” . ويلفت هذا الاستنتاج انتباهنا إلى حقيقة أنه في المجتمع الذي تكون فيه الرسائل والقرارات والاجراءات غامضة بشكل متعمد ، تسود الفوضى في نهاية المطاف بالشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والطبية .
الحديث المزدوج
يمكن تعريف تعبير ” الحديث المزدوج ” بأنه “لغة تتعمد تعمد إخفاء أو تشويه أو عكس معنى الكلمات” . وأصل هذا المصطلح غامض إلى حد ما (على الرغم من أنه يمكن القول أنه يمكن إرجاعه إلى رواية جورج أورويل “1984” حيث جاء الكاتب أورويل إلى ذكر مصطلحات مستقبلية مثل ” التفكير المزدوج “ و“الحديث المزدوج” ومع ذلك ، من الواضح أن” الحديث المزدوج” هي نسخة عدوانية من نشاط لغوي مدمر اجتماعيًا وصفه كونفوشيوس قبل 2500 سنة خلت.
لا يتطابق “الحديث المزدوج” مع التعابير الملطفة في العديد من الجوانب ،فالحديث اللطيف هو فن اختيار الكلمات والتعابير التي تهدف إلى ايصال الرسالة بصدق وأمانة لكن بأسلوب غير جارح حيث يمكن استخدام الكلمة “بشكل مناسب وبدون نية خداع أو تدليس ” . ومع ذلك ، تعتمد بعض أمثلة “اللغة المزدوجة “على نفس آلية “جعل الحقيقة أقل إزعاجًا” . من المهم ، مع ذلك ، أن نشير إلى أن الأولى لا يمكن النظر إليها على أنها فئة فرعية من الفئة الثانية ، حيث يمكن أن يكون الكلام المزدوج غير ملطف.
البيئة الوظيفية للغة المضللة:
نشر التحالف العلمي وهي منظمة غير ربحية مقرها في كامبريدج على الانترنت مقالا بعنوان “اللغة المضللة” وفي الفقرة التمهيدية يستحق أن نقتطف منه : “استخدام اللغة إحدى العوامل الرئيسية التي تحدد الإنسانية. وهي في أفضل حالاتها، لا يمكنها فقط التعبير عن مشاعرنا العميقة وأن تكون مصدرًا للجمال في حياتنا ، ولكن أيضًا نعبر بها عن المفاهيم المعقدة بوضوح مع بيان للغموض. ومع ذلك ، يمكن أيضًا إساءة استخدام اللغة ويكون متعمدًا . من الواضح أن هذا في شكل من أشكال الدعاية ، ولكن إساءة الاستخدام الأكثر دقة يمكن أن تكون بنفس السوء. ويصح ذلك في السياسة أو المالية أو المجالات الأخرى. إن كلمة “السياسة” مشتقة من اليونانية π ολ τικός τικός وتتعلق بالمحافظة على المواطنين وحقوقهم و مدنيتهم ، لكنّ وضعه بجوار المالية في التعريف أعلاه ليس مصادفة إذ غالبًا ما تكون سياسات اليوم أقل ارتباطًا بالمواطن العادي وإنما بأموال وقوة الشركات.
إن الكلمة الثالثة المفقودة بوضوح من التعريف أعلاه ، هي “الحرب”.
الحديث المزدوج في الخطاب العسكري:
للحرب جوانب عديدة. وهي لا تقتصر فقط على المشاركة العسكرية. قد تنطوي على دعم اقتصادي أو إنشاء البنية التحتية أو اختيار لغة معينة تشكل بها الرأي العام. تسير الجوانب المالية والسياسية والحرب جنبًا إلى جنب في استخدام اللغة كأداة للتلاعب بالخطاب أو الرسائل التي يتم ايصالها للأخرين . في وقت مبكر من عام 250 قبل الميلاد ، رفض القائد المقدوني أنتيجونوس غوناتاس الاعتراف بأنه قد تراجع في الحرب وبدلا من ذلك وصف الأمر بأنه حركة استراتيجية إلى الخلف ويبدو أن التراجع باعتباره تطورًا مهينًا في الحملة العسكرية وبالتالي يكون خبرًا يصعب إخراجه بلباقة فقد استحوذ على نصيبه العادل من الرسائل ثنائية اللغة . وقد يشار إليه باسم ” اعادة انتشار ” أو ” مناورة عسكرية” أو ” اشتباك من جميع الجهات ” وفي الحقيقة ، لا يكون هذا سببًا للفرح لأنه يعني على الأرجح أن القوات تعرضت لكمين وأن الجنود يذبحون في المعركة .
لكن التراجع ليس هو الواقع العسكري الوحيد الذي قد يحتاج إلى تقنيات ثنائية اللغة لتلطيف الرسالة. قد تكون هجمات الحرب نفسها غير قابلة للربح إلى حد ما وتحتاج إلى لف و دوران لغوي كأن تقول : القرى وسكانها العزل يقصفون من الجو، السكان يُطردون إلى الريف، تستخدم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين ، تقتل الماشية في المراعي ، تحرق الأكواخ بالرصاص الحارق. هذا النوع من الخطاب يسمى خطاب التلطيف . يخطف ملايين الفلاحين من مزارعهم ويطردون وهم يتجولون على طول الطرق وهذا لا يحتمل : يسمى هذا الخطاب نقل السكان أو تعديل الوضع في الخطوط الأمامية . يُسجن الأشخاص لسنوات دون محاكمة ، أو يُطلق عليهم الرصاص في مؤخرة العنق أو يُرسلون ليموتوا من الإسقربوط في معسكرات خشبية في القطب الشمالي : وهذا ما يسمى القضاء على العناصر غير الموثوق بها. تطلق هذه التعابير إذا كان هناك من يريد تسمية الأشياء دون استدعاء الصور الذهنية الخاصة بها .
يقول ديفيد جويات في مقالته “قتلني بهدوء” إلى أن بعض أنواع الأسلحة الهجومية يشار إليها في الوقت الحاضر بطريقة مقبولة أكثر حيث توصف على أنها “غير قاتلة” أو “أقل من قاتلة” . يذكر المؤلف أن كلتا العبارتين الوصفيتين قابلتين للتبديل والتطوير ، واليوم ، غالبًا ما يتم” استخدامهما “جنبًا إلى جنب مع تعبير عسكري آخر أكثر لطفا كأن تقول: ” تقنيات القتل الناعمة ” منوهين أنه لم يعد الدم والشجاعة و الموت مصطلحات مقبولة سياسياً .
تمنح “جائزة الحديث المزدوج “ سنويا لتمجيد ساخر للمتحدثين العامين الذين استخدموا اللغة بطريقة مخادعة أو مراوغة أو ملطفة أو مربكة أو تركز على الذات. و قد صدرت الجائزة عن المجلس الوطني لمدرسي اللغة الإنجليزية (NCTE) منذ عام 1974. تمنع جائزة ازدواج المعايير عادة للسياسيين والمديرين العامين والوزراء و الإدارات ، وقد فازت بالجائزة وزارة الدفاع الأمريكية ثلاث مرات في أعوام 1991 و 1993 و 2001 على التوالي. في عام 1991، حازت وزارة دفاع الولايات المتحدة على المراكز الستة الأولى في الحديث المزدوج والتعابير الملطفة في حروبها عندما استخدمت الكثير من المعايير المزدوجة والتدليس في تصريحاتها العلنية مثل : خدمة الهدف بدلا من القصف الجوي والصاروخي و طرود ورزم القوة في إشارة إلى الطائرات المقاتلة .
الحديث المزدوج في الخطاب السياسي:
كتب جورج أورويل في نصه العميق والصريح “السياسة واللغة الإنجليزية” : ” من الواضح أن تراجع اللغة الإنكليزية يجب أن يكون له أسبابه السياسية والاقتصادية في نهاية المطاف : وهذا لا يعود ببساطة إلى التأثير السيئ لهذا الكاتب أو ذاك.”
يبدو أن السياسيين يظهرون حساسية حادة تجاه السياقات والتركيب اللغوية لمعارضيهم أثناء وجودهم في المعارضة و يميلون إلى استخدام تقنيات مماثلة للتأثير على الرأي العام عندما يكونون في مناصبهم . يقول نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني في خطابه حول الأمن القومي أمام معهد المؤسسة الأمريكية يوم 21 أيار أنه يشكو من “ظهور العبارات الملطفة في ظل إدارة أوباما والتي تسعى جاهدة لتقريب الشرخ بين الشعب الأمريكي والارهاب بدلاً من أن تكون في حالة حرب مع الإرهابيين وغيرهم من القتلة والمجرمين ، وقد أصبحت الولايات المتحدة الآن متورطة في ما يسمى “عمليات الطوارئ في الخارج” ، وهو مصطلح صادر عن إدارة أوباما بدلاً من مصطلح “الحرب على الإرهاب”. التي استخدمته الإدارة التي سبقت تشيني.
مع ذلك ، على الرغم من كل مواقف تشيني حول المزاعم الملطفة لأوباما ، فإنه استخدم مرارًا وتكرارًا عبارة “الاستجواب المحسوس” في تسمية ملطفة لأساليب التعذيب (مثل الإغراق بالماء) والتي تم تسميتها سابقًا على أنها جرائم حرب اقترفتها الولايات المتحدة.
وهكذا أصبحت اللغة المضللة شائعة حتى في أعلى مستوى من الخطاب الحكومي الرسمي الأمريكي فقد أوضح الرئيس أوباما في مؤتمره الصحفي بتاريخ 15 شباط 2011 أن “ما يفعله مجبرا هو طرح بعض الخيارات الصعبة ، وبعض التخفيضات الكبيرة في الإنفاق و أنه بحلول منتصف هذا العقد ، سنقوم بالإنفاق بما يتناسب مع عوائدنا السنوية . ولن نضيف المزيد إلى الدين الوطني و لن نقوم بتشغيل بطاقة الائتمان على أي حال . هذا أمر مهم ، ومن الصعب القيام به . وبعد سؤال من صحفي حضر المؤتمر الصحفي ، اضطر الرئيس بعد ذلك إلى الاعتراف بأنه “كان يستبعد الفائدة على الدين عندما أعلن قائلا:” لن نضيف المزيد إلى الدين الوطني” . وكان الرئيس يتحدث عن اجتماع الميزانية المعروف باسم “الميزانية الأساسية للدولة” ، حيث لا تنفق الحكومة أكثر مما تجمعه ، دون احتساب الفائدة على المدفوعات. “
لقد أخطأ الرئيس الأمريكي عن علم ومعرفة وعمد قصدا إلى تحريف الحقائق الثابتة التي يعرفها.
الحديث المزدوج في القرية الكونية
لقد مضى نصف قرن على ظهور كتاب مارشال ماكلوهان الذي يحمل عنوان : “مجرة غوتنبرغ : وصناعة إنسان الطباعة .” حيث قدم فيه مصطلحا جديدا للعالم وهو ” القرية الكونية “ ولكن السنوات التي انقضت حتى الأن أضافت إلينا حقيقة واحدة وخاصة منذ العام 2011 مفادها أن الكون تقلص ليصبح بطول وعرض غرفة المعيشة التي نمارس حياتنا فيها . وصار بإمكان الإنسان أن يشاهد جحافل جيش الاسكندر الأكبر وهو يهزم الفرس في معركة أسوس عام 333ق م ويشاهد قصف بغداد في الليل أو العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان أو قصف غزة أو اجتياح داعش لأجزاء من سورية والعراق وهو يتناول وجبة عشاء. قد تبدو هذه الفقرة مكررة ولكن أردنا التذكير فقط بمقدمة البحث .
لقد لعبت وسائل الإعلام دورها الفعال كسلاح في نشر وترويج التفكير المزدوج والخطاب المزدوج وابتعدت كثيرا عن الحقيقة في مقاربتها للأحداث التي جرت في مناطق الصراع النشطة . كما جعلت منصات وسائل الإعلام الجماهيري كالتلفزيون والانترنت والراديو والدعايات المنزلقة نشر الرسائل المزدوجة أكثر سهولة من أي وقت مضى وبالتالي تضاعفت قوتها عشرات المرات. وما الحرب التي جرت خلال السنوات العشر الماضية على سورية إلا مثال صارخ على التفكير المزدوج والحديث المزدوج والتدليس الفكري والإعلامي مارسته الحكومات الرسمية ووسائل اعلامها علي بلدي سورية وتحول الخطاب الإعلامي إلى سلاح في المعركة راح ضحيته آلاف الأبرياء .
لقد فشلت الشيوعية ، ولكن يبدو أن الرأسمالية في حالتها الحالية لن تكون طويلة العمر بما يكفي للاحتفال بزوالها فهي تعاني في الحقيقة من أزمة اقتصادية عميقة وغير مسبوقة ، وتطبع الكثير من الأوراق النقدية وتسبب التضخم الصارخ والمؤلم للشعوب وهذا يتطلب المزيد من الشاشات العملاقة التي تزر الرماد في العيون وتمارس الكذب المبرمج على الشعوب وما الخطاب السياسي الحالي لدى الكثير من حكومات العالم إلا دفاع يائس عما لا يمكن الدفاع عنه .
اللغة كحرب
تقول الأمثال الشهيرة التي كتبها كارل فون كلوفتز : “الحرب استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى” ، ولكن يمكن القول أيضًا أن ” ازدواجية اللغة ”بدورها استمرار الحرب بوسائل أخرى.
قال لينين يوما :” الكذب في كثير من الأحيان يصبح الحقيقة بعينها ” ، وعلينا أن نتفق على أن الشركات الإخبارية صاحبة المليارات مثل CNN، والتي تمتلك مئات المراسلين الأجانب لا تمانع في اطلاق معركة في الشارع في بعض الأحيان، لتضخمها لتصبح أعتى معركة عالمية تستنفر الضمير العالمي.
الحديث المزدوج في الخطاب الطبي
ما الشيء المشترك بين الحرب وأكثر العلوم إنسانية – الطب؟
لقد قام الطبيب ريتشارد آشر بصياغة مصطلح الحديث الطبي med-talk لأول مرة للإشارة إلى الخلط الخاص بين الحديث المزدوج والنسبية الأخلاقية المستخدمة في الطب.
وقدم ديفيد وودز ، رئيس تحرير مجلة الجمعية الطبية الكندية ، الأمثلة التالية على الخلط في المصطلحات بحيث أصبح الفقراء هم ” المحرومون” وصار” مدمنو المخدرات” هم “المعتمدون كيميائياً” ؛ وأضحى “الأطفال الأقل ذكاء هم ” طلاب استثنائيون “.
إن هذا النوع من الخطابات يميل إلى إخفاء المعنى عن الأذن غير المدربة ، ولكنه غير ضار بشكل عام ، وهناك مصطلحات طبية أخرى مزدوجة اللغة لها تأثير أكثر ظلامية .
يبدو أن متخصصي التأمين في الولايات المتحدة قد وجدوا طريقة لحرمان المرضى من تغطية التكاليف الطبية بموجب سياسات التأمين المعاد تأمينها والمفترض من خلال وضع اللغة القانونية على “الاستخدام الجيد” كما يوضح المخرج الحائز على جوائز مايكل مور في كتابه الوثائقي “سيكو” المصطلحات الغامضة مثل مصطلح “الحالة الموجودة مسبقًا” ليتم استخدامها بمهارة للتلاعب وتمكين الرفض القانوني لسداد التكاليف الطبية. ووفقًا لتعريف المصطلح المذكور: “إن الحالة التي عاد تواجدها هي مخاطر ذات أسباب موجودة لا يتم تعويضها بسهولة من خلال أقساط التأمين القياسية والميسورة التكلفة.” وللأسف ، فإن شركات التأمين قد حصلت على الحرية في تحديد هذه المخاطر ، وأيضًا من خلال تحديد “الحد الأقصى لفترة استبعاد الحالة المعاد تواجدها ” والتي يمكن أن تختلف من 6 أشهر إلى 10 سنوات في الولايات المتحدة علي سبيل المثال وليس الحصر وقد أصرت شركات التأمين على عدم تضمين عقد التأمين الصحي حالات موجودة مسبقا لدى المؤمن عليه.
يبدو أيضًا أنه في كثير من الأحيان عندما يحتاج المريض إلى أدوية باهظة الثمن يمكن أن تنقذ حياته ، يُطلق على العلاج اسم “التجربة ” ، وعلى هذا النحو يقع تحت بند خاص في السياسة التي تم إعدادها لغرض رفض تغطية المرضى الذين هم في أمس الحاجة إليها. وعلى الرغم من أن التجارب السريرية والعلاجات الطبية التجريبية لديها القدرة على زيادة طول ونوعية حياة الشخص ، غالبًا ما ترفض شركات التأمين دفع تكاليف الإجراءات الطبية غير المحسوبة والمكلفة ماديا . ومع ظهور علاجات جديدة تتجنبها باستمرار ، تجد شركات التأمين نفسها في وضع يمكنها من ابتكار طرق لخفض تكاليف التأمين الصحي المتزايدة . وبالتالي ، غالبًا ما تكون العلاجات التجريبية من بين النفقات الطبية الأولى التي يرفضها مقدم التأمين .
ويرى كل من إيرل ب. شتاينبرغ وشون تونس وديفيد شابيرو في تقريرهم ” تغطية التأمين على التكنولوجيات التجريبية” أن شركات التأمين لم تدفع التكاليف المرتبطة بتقنيات “غير مثبتة ” في الماضي بالإضافة إلى العديد من الابتكارات الطبية التي يثني عليها الأطباء الأمريكيون . إن إحجام شركات التأمين عن تغطية الابتكارات الجديدة قد يحد من تطور التقنيات الجديدة ويهدد قدرة نظام الرعاية الصحية على مواكبة وتيرة الابتكارات الفعالة والمفيدة .
خاتمة
على الرغم من أن استخدام اللغة لإخفاء المعنى كان يعتبر ممارسة مزعجة اجتماعيًا في وقت مبكر من 500 قبل الميلاد ، إلا أن استخدامها يبدو قد ازداد في عصر الإعلام الجماهيري والعولمة الحالية ، وخاصة في مجالات السياسة والحرب والطب. وقد تم الاعتراف بآثارها السيئة والسلبية على أعلى المستويات ، ومع ذلك ، فإن اللغة المزدوجة تظل الأداة المفضلة عندما يتعين الإعلان عن أخبار صعبة أو قاسية أو عندما يتم التلاعب بالرأي العام لخدمة مصالح القلة والأقوياء وأصحاب النفوذ.
يمكن أن يكون استخدام اللغة المزدوجة في الطب بمثابة مثال جيد على آثاره المدمرة مما يحد من تطوير منطق التقنية الجديدة ويعرض حياة الإنسان للخطر مباشرة .
إن ازداد الاهتمام العام بالظواهر المذكورة أعلاه في السنوات الأخيرة مع زيادة الوعي بتأثيرها السلبي وخاصة بعد الحرب على سورية وممارسة أبشع دور للحديث المزدوج في الاعلام والسياسة على المستويين الرسمي والفردي قد يؤدي إلى تغيير إيجابي بعد مدة قصيرة .
المراجع
http://www.ehow.com/info_8378632_health-insurance-experimental-treatments.html
http://content.healthaffairs.org/content/14/4/143.full.pdf
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1491368/pdf/cmaj00127-0009.pdf
http://en.wikipedia.org/wiki/Pre-existing_condition Current and pending pre-existing condition exclusion
regulation in the United States
http://www.marketwatch.com/story/full-text-of-president-obamas-health-care-speech
http://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/orwell46.htm http://en.wikipedia.org/wiki/Doublespeak
http://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/orwell46.htm
http://hnn.us/articles/88504.html
http://voices.washingtonpost.com/fact-checker/2011/02/obamas_misleading_language_on.html