أركان عبادي٠٠٠ أحد رُواد بناء الدولة العراقية- الدكتور سنان صادق حسين الزيدي- الدكتور خليل حمود عثمان الجابري٠٠
سليم النجار
من خلال الكتابة التاريخية لبناء ذاكرة جمعية مُتخيَّلة تخدم رؤية وطنية بعيدة عن سلاسل الأيديولوجيا٠ ليُصبح البحث التاريخي مُؤسِّسًا للهوية الجمعية الوطنية٠ هذا ما ذهب إليه المؤلفان د/ سنان الزيدي ود/ خليل الجابري في كتابهما (أركان عبادي – أحد روّاد بناء الدولة العراقية)٠
فمن التاريخ انتقلا إلى الذاكرة، ومن التاريخ أيضًا نشأت هذه الذاكرة، هذا ما جاء في الفصل الأول من الكتاب الذي حمل عنوان (المرحلة الأولى من حياة أركان عبادي وأثرها في تكوين شخصيته حتى عام ١٩٤٧)، وافتتح المؤلفان الفصل على الشكل الآتي: (نسبه، ونشأته، صفاته
ينتمي أركان عبادي إلى أسرة آل بوهدلة، وهي أسرة عربية مسلمة، عريقة وكريمة ومعروفة، تنتسب إلى قبيلة فتلة، ويرجع نسب هذه القبيلة إلى قحطان)١٣-١٤ ٠
كما تناول المؤلفان سيرته الأولى: النشأة والحياة الدراسية، (ومن الأرجح أنّ مولده في ٢١ مارس ١٩١٥، وأركان هو الولد الرابع لأبيه)٢٤، (والثابت فعلاً أنّ أركان قُبل في مدرسة برمانا العالمية، في السنة الدراسية ١٩٣٠-١٩٣١، وتُعدُّ المدرسة من أفضل المدارس في لبنان، ومنطقة الشرق الأوسط٠ وتخرّج أركان فيها في السنة ١٩٣١-١٩٣٢)٠
وبعد ذلك انتسب أركان إلى جامعة إكسترا- كلية فنشير البريطانية في العام ١٩٣٣، وتخرج منها عام ١٩٣٦، وأكمل مشواره العلمي في جامعة لندن ليحصل على شهادة بكالوريوس في علوم الاقتصاد في عام ١٩٣٩ ٠
ومن اللافت في الفصل الأول حِرصُ المؤلفين على ذكر دور عبادي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، من خلال مشاركته في وفد وزارة الخارجية العراقية، الذي ترأسه آنذاك الجمالي الذي كان يتبوّأ منصب وزير للخارجية، وعضوية كلّ من برهان الدين باش أعيان، وأركان عبادي، ويذكر أنّ مؤتمر لندن عُقد في العام ١٩٤٧، قبل قيام دولة ” إسرائيل بعام، وهذا ما يؤكِّد فشل هذا المؤتمر فشلاً ذريعاً٠
وجاء الفصل الثاني بعنوان: (مرحلة جديدة في دور أركان عبادي السياسي)٠
وهنا لا بدّ من التوقّف قليلاً عند عنوان الفصل الثاني، الذي يشير إلى قضية إشكالية ألا وهي أنّ هناك خلافا نشأ في تاريخ أوروبا في كتابة تاريخهم، وانعكست هذه الإشكالية على كتاب التاريخ في عالمنا العربي، ولعلّ أبرز من أثاروا هذه الإشكالية التي عُرفت باسم، ( الحدّثي)، بروديل الذي أعلن عداءه تجاه هذا التاريخ والذي نعته بأبطال يشبهون قادة الأوركسترا٠ ورأى بروديل أنّ هذا التاريخ التقليدي، ضمن حدود الزمن القصير والمضطرب، أقلّ إثارة من علم الاجتماع الجزئي من جهة، والاقتصاد السياسي من جهة أخرى٠ ليس ثمّة في هذه الرؤى لبروديل ما يشير إلى أنَّ صاحبها مطمئن لرؤيته، غير أنّ المؤلفين د/ صادق ود/ خليل، تجاوزا هذه الإشكالية التي كانت عناوين لكتب تاريخية تناولت شخصيات عربية، كان لها دور كبير في بلدانهم وفي العالم العربي، سواء كان في الأدب أو السياسية، كما فعل جورجي زيدان في رواياته عندما قرأ التاريخ العربي على شاكلة ما ذكره بردويل “قادة أوركسترا”٠ ولعلّ الكاتبين وفِّقا في ذكر مرحلة مهمة من حياة أركان عبادي: ( يوضح لنا، أنّ النائب أركان عبادي اشترك، في غضون زهاء ست وعشرين سنة من عمر العهد الملكي في ظلّ الاستقلال، في ست دورات انتخابية من أصل ثلاث عشرة دورة انتخابية، بلغ مجموع ما قضاه نائباً في العهد ثماني سنوات وشهراً واحدا وثمانية أيام٠
كان دوماً محدداً واضحاً في مداخلاته، وتكلّم بلغة فصيحة وسليمه، واستخدم تعابير دقيقة في صياغة أفكاره وآرائه) ٤٣ ٠
قبل أن ابدأ في قراءة الفصل الثالث كنت قد تفكّرتُ مليَّا في العلاقة بين فرضيات البحث واستراتيجيات السرد٠ الأمر الذي شحذ رغبتي في التجريب شحذاً قوياً٠ وشرعت في إعادة بناء العالم الفكري والأخلاقي والاستيهامي لعبادي على أساس مصادر المؤلفين، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية كان يمكن أن يطورا هذا العمل إلى رواية تلمس الفجوات في الوثائق وتخفيها٠ كان ذلك ممكنًا، لكن بالتأكيد لهما أسبابهم في الإصرار أن يظهر الكتاب على دراسة توثيقية٠
ما يميِّز الفصل الثالث أنّ المؤلفين أوضحا أهمية تقلُّد عبادي وزيرًا للزراعة: ( ونودّ الإشارة إلى أنّ اشتراك أركان عبادي في وزارة الجمالي، كان بصفته الشخصية وليس لكونه ممثلاً عن حزب “الاتحاد الدستوري”، ومع ذلك فإنّ الهيئة الإدارية للحزب، اتخذت قراراً في اجتماعها الذي ترأسّه نوري السعيد نفسه، تضمّن “تأييد وزارة الجمالي ما دامت مستمرة على نهجها الإصلاحي الذي أعلن في خطاب العرش”٠ وعلى ما نعتقد فإنّ وجود أركان عبادي في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء تشكيلة الوزارة، قد أبعدته عن تسلّم وزارة كوزارة الزراعة أو الاقتصاد٠ فالجمالي نفسه، على أغلب الظنّ، كان مُحرَجاً بأن يتقلّد أركان وزارة ترتبط بحياة المواطنين، وهو خارج الفطر)١٥١ ٠
لا شكّ أنّ الكتاب له قيمة كبيرة في نوعية النص المحقَّق، وسياقه التاريخي، وفي التطوّر الذي عرفته حياة أركان عبادي خلال القرن الماضي، وفي المضامين التي يقدّمها٠
لقد وفّر لنا الكتاب نصّا محقّقًا ودراسة متكاملة، كما جاء في الفصل الرابع والأخير من الكتاب الذي جاء بعنوان: ( مواقف أركان عبادي السياسية ونتاجاته الفكرية المتنوعة)، ومن نافلة القول إنّ في هذا الفصل ذكر المؤلفان موقفه الواضح والقوي والوطني والعروبي من القضية الفلسطينية، ومتابعته اليومية لسير المعارك التي اندلعت إثر إعلان قيام إسرائيل والعرب عام ١٩٤٨، ( راقب سير تطّور المعارك على جبهات القتال بين العرب وإسرائيل٠ ففي حزيران أعلنت الحكومة العراقية في البيان رقم(٢) عن اشتراك حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الحرب وقيامهما بمدّ العدوان الإسرائيلي ضدّ القوّات العربية المواجهة لإسرائيل)٢٩٨ ٠
حرص الكاتبان على إطلاع القرّاء على المواقف السياسية لأركان عبادي اتجاه القضية الفلسطينية، (رأى أركان عبادي ان” روسيا الاشتراكية خذلت العرب الاشتراكيين والمجموعة العربية التي سارت في ركابهم، والنتيجة خسرنا المعركة عسكرياً، وتحطمت أدوات الحرب، وخيرة الفرق المصرية والأردنية)٢٩٩ ٠
يقسم بعض المؤرخين الإخباريين إلى منتجي معرفة تاريخية موضوعها الدولة أساسا والشخصيات التي لعبت دورًا هاماً في بنائها، وإلى آخرين منتجي معرفة تاريخية يتعلّق موضوعها بجهاتهم٠ والمؤلفان د/ سنان الزيدي ود/ خليل الجابري جمعا الاثنان معاً٠
كتاب (أركان عبادي- أحد رُوَّاد بناء الدولة العراقية)، يستحق أكثر من قراءة، تسبر أغوار هذه الشخصية التي عاشت في مرحلة عربية تموج في تحوّلات تاريخية صعبة، ما زلنا نلمس آثار تداعياتها إلى يومنا هذا٠