لصحيفة آفاق حرة:
_________________
انتحار الأصنام
مقالة
بقلم محمد فتحي المقداد
انتحار الأصنام.. هل ستنتحر الأصنام ذات يوم؟.
كل التطور المادي والتقني الحاصل للبشريّة في الحاضر؛ لم يستطع نزع فكرة عبادة الأصنام من نفوس البشر على الإطلاق. لكن عبدة الأصنام إذا ضاع إلاههم، هل سيصنعونه مُجدّدًا من عجين خبزهم. فإذا جاعوا لن يجرؤوا على التهامه، كما فعل العرب الأوائل. من المتوقّع؛ أن يذبلوا ويموتوا وخوفهم يُجمّد الدماء في عروقهم. وبذلك يكونون قد استكملوا غاية حياتهم للصنم.
قبل عِقْديْن من الآن، احتفظتُ بصورةٍ اقتطعتُها من جريدة، وهي لتمثال من الحجم الكبير للقائد السوفياتي “جوزيف ستالين”، كانوا يحتفظون به في مستودع خاص لبلدية موسكو، المفارقة التي تبعث على الاستهجان، أن عاملًا للنظافة يعتلي صدر التمثال، وبيده مكنسة، يزيح عنه الغبار والأتربة. كما أنّ عمالًا بهيئة قناة السويس في مصر بطريق الصدفة، أثناء قيامهم بأعمال الإخلاء للمبنى 1998، عثروا على تمثال نصفي من البرونز، صنع 1963 للرئيس “جمال عبدالناصر” صاحب قرار تأميم القناة، في مخازن المبنى التاريخي لهيئة قناة السويس ببورسعيد. .
وفي أيام الحرب الأهليّة اللبنانية التي دامت سبعة عشر عامًا، قامت بلدية بيروت بنقل تمثال “رياض الصُّلح”، أو ساحة “عاشور”التي أنشئت في مكان سوق المواشي. كما كانت تسمى قبل ذلك إلى أحد مستودعاتها حفاظًا عليه، بعد استهدافه برصاص الميليشيات المُتصارعة على اللا شيء، فقط كانوا بيادق يتحركون على رقعة الشطرنج بواسطة “الريموت كنترول”. وأعيد التمثال إلى موقعه الأصلي في عام 1998، بعد إصرار الأمير السعودي “الوليد بن طلال” على إعادة تمثال جدّه لأمه “رياض الصُّلح” إلى مكانه، أثناء إعادة إعمار وسط بيروت ومشروع “السوليدير”.
بينما في بغداد ودمشق كان الأمر مختلف تماماً، ففي العام 2004إثر سقوط بغداد الثاني على يد قوّات التحالف الدوليّ الإستعماريّ للعراق، وفي ساحة الفردوس، حيث ركّز الإعلام على مشهد الرّافعة التي خلعت تمثال الرّئيس العراقيّ، في حين كانت فرق متخصصة لسرقة الآثار والتحف من متحف بغداد.
أمّا محافظة درعا جنوب سوريا التي انتفضت على ممارسات القمع الممنهج، وانتهاك الحربات وحقوق الإنسان، قامت الجماهير السوريّة الغاضبة بتحطيم التمثال في إحدى أكبر ميادين مدينة درعا. وحذت حذوها باقي المحافظات السورية.
وفي جمهورية مصر العربية، ومع تغير العهود السياسية منذ بداية المرحلة الناصرية 1952، فقد أزيلت معظم تماثيل الرّئيس “جمال عبد الناصر” خلال المرحلة الساداتية، نسبة الرّئيس “أنور السادات” بعد استلامه للجكم 1971بعد وفاة الرئيس السابق. وكان مصير تماثيله الإزالة، وهي التي نُصبت خلال فترة حكمه إلى عام 1987بعد اغتياله في حادثة المنصة 1981على يد ضابط مصري أثناء استعراض عسكري. وبعد استلام الرّئيس “حسني مبارك” جاءت تماثيله الجديدة لتحلّ مكان سابقتها، إلى أن اقتلعتها رياح التغيير “الربيع العربي” 2011نهاية حكم العسكر، وانتخب للمرّة الأولى رئيس مدني في تاريخ مصر، ليعود العسكر عبر انقلاب الرّئيس “عبدالفتاح السيسي” في 2013. وتجيء المرحلة بتماثيلها الجديدة. وعند وفاة “كيم إيل سونج” الزعيم الكوري الشمالي، رثاه الشاعر:
“لقد تركت وراءك حاملاً ثقيلاً. عشرة ملايين مواطن، وثلاثون ألف…تمثال”.
يقين أنّ لكلّ مرحلة رموزها من تماثيل وشعارات، وألوان من الحكم للعهود الجديدة تُميّزها عن سوابقها، وبشكل عام فالنُخب الحاكمة هي الرابح الدائم، والشُّعوب هي الخاسر الدائم أمام سطوة العسكر، رغم أنها صاحبة القضايا العادلة.