لأن الشاعر رسول حرف وداعية محبة كان لي الشرف بقراءة ديوان ” زهرنامة ” للشاعر راشد عيسى المُبلل بالشهد الذي هطل عليَّ كنزف قلب عابق بعشق الحياة ومواسم الحب فتعمدت روحي بشلال نبضه.ومشاعره الطاغية..
ديوان زهرنانة يضم بين دفتيه باقة من القصائد بأُسْلُوبٍ شعري يتدفق كالسلسبيل وهذا ما عهدناه في إبداع الشاعر راشد العيسى الذي يُلهب الاحاسيس والمشاعر.
حيث يُسافر بنا الشاعر الى عوالم التأمل والفكر عبر استعارات واسعة الدلالة، مشرعة على مكامن الدموع و الجراح و الأوجاع لنحترق في محاريب الحُب الدافق في صور تستفز عاطفة المتلقي.
ففي قصائده لايكفي أن نقرأ.
بل علينا ان نتقمص الحروف ونشعر بها وأن ننغمها بلغة الجسد والروح مما فيها من سموِّ وعلوِّ على السائد والمستهلك الذي يكاد يملأ الدنيا فيجعلها مثيرة للشفقة والإشمئزاز لولا قلّة كالشاعر الدكتور راشد العيسى الذي يملك فوق اللغة ودهشة المجاز قُدرة فائقة على إيصال النصّ بطريقته غير التقليدية في الإلقاء وان يجعل الحاضرون في حالة انشداد واندهاش وتناغم مع الأحداث من سماعهِ ،لم نُرِد لهُ ان ينتهي.
لقدرته العجيبة على جعل المُتلقي يتفاعل ويندمج مع الاحداث بطريقة تُذيب الروح من عذوبة ما يسمع ويفصله عن الواقع…
يحق للضاد أن يختال بمثلك شاعرنا العتيد
بالذات حين تُسافر بنا الى عوالم التأمل والفكر عبر البوح المرهف ذو الشجون المضمخ بلوعه الشوق ورفه القلب . فالعشق لدى شاعرنا جسد القصيدة ودمها،
فهنيئًا لمن يدخل مدينة الحب في قصائده ليعود طفلاً يُحب كل الأشياء و لا يدرك إلی أيّ منفى ينتمي سوى العشق.
رجوى ” عشتاره ” التي شبهها بطفلة الغيم، عشقه الطافح بألوان قزح، لتعرفها ما علينا إلا ان نعود الى جدار اشعاره وهو يُعاود رسم اسمها منتظرا نسيم عطرها مابين حبات المطر .ففي ذات حلم يناديها ..
ويتلوها قصيدة ..
بيت القلب.
الي عينيكِ يا رجوايَ
أسري
بشهقة طائرٍ غَرِدٍ
محبِّ
تناداه الحنينُ فطارَ
مني
وقد بلغ الفضاءٓ لكي
يُلبـي
ويطوي بالجناحينِ
المنافي
ويبسُطُ في يديكِ
سماءَ حُبّي
لكَمْ مٓكٓيَجٓتُ يا رجوايَ
حُزني
وَسـشٓورتُ الغيومَ
وما تُخَبّي
فلا تَسْتَيئِسي من قمحِ
ارضي
ولا تـستنكري تاريخَ عشبي
لئنْ ضيعتِ قلبكِ
ذاتَ سَهْوٍ
تَرَيْنَ سريرهُ في
بيته قـلبي.
أي نزف قلبٍ هذا يا شاعرنا الأنيق
إنها أنات.. وتأوهات.. وتيه بين كثبان الكلمات وموسيقاها العذبة..
هذه موجة من الأشواق.. حين لاح طيف الحبيبة في الآفاق فتدفق الحرف منتشيا رقراق
كلمات ترسم رقة الندى حين يمتزج بعطر الحواس لم نألف رائحته من قبل، تنتشل الأنوثة من قعر الحرمان وتهدهدها وكأنك تعمدت أن تمتحن قراؤك ام عمدا اخترت مابين المكياج والسشوار
ما اجمل ان يتماهي الحرف مع الوجدان وتحيل أخطاء المحبوبةِ إلى أيقونة جمال حيث يقول..
ما اجملٓ الأخطاءَ
كيف تُصيبُ
سأحبُّها
وإحبُّها
وأحبُّها
وأعيشُها
وأُكِنُّها
وأذوبُ
إن كان حُبي للقبيحةِ
غلطةً
كم في الجمال مكائدٌ
وعيوبُ
وكأنك شاعرنا تكتب القصيدة غريقًا في عيني انثي ولا يرتوي من الغرق لأنها كل الحياة ورحيق عطرها
تُعلمنا الحب … وكأنك منارة تهتدي بها قلوب العاشقين. الحب في اشعاره هو الثيمة الرئيسية والاحساس المرهف والقلب المتجمر والمتقد بالحب والروح المحلقة بسماءات الحب .
يسير بنا الشاعر الى عوالمه الحالمة بصوره الجميلة
وما بين قصيدة وقصيدة أقف وأتساءل.
هل يملك كل شاعرٍ فصيح اللسان قدرة شاعرنا راشد العيسى على قول شعر الغزل بهذة الجرأة والطلاقة؟ فللغزل مقاييس لا يستطيع التحكم بها إلا فحول الشعراء القادرين على التعبير عن لوعة المُحب وعمق معاناته ثم الصدق في هذا التعبير. بعيداً كل البعد عن الصبابة المصطنعة. ورصف الكلام المنمّق وصياغة هوائية فارغة من حرارة التعبير
لغتهُ واضحة وصادقة وطاهرة، فالذات العاشقة شفافة لدية تلتقط كل صغيرة وكبيرة، ولا ترهقهُ فكرة الانتظار على عتبات العمر..
فهو شاعر يحترم الشعر ولهذا يكتب بتفاؤل وعشق ممتد إلى مالا نهاية..
و كما يقول في غلاف كتابه
حين نُحِبّ
نعطي العقلٓ إجازتٓهُ مفتوحةْ
او نرميةِ من الشباكِ
لأقرب حاويةٍ
من ملهى النسيان
وإذا احتجُ قليلاَ .. نعطيه المصروفَ
اليومي كولدٍ ارعنٓ نتوقى شٓرَّهْ
تم نوبّخُهُ،ونُقشّرُ عنهُ صلاحيتَهُ
ونحاذرُ خيرٓهُ
وإذا اعتذرٓ فٓلٓنْ نقبلٓ أبداً عُذٓرٓهُ
نتركُهُ مُنكٓسِفاَ مٓرْذولاً أسيانْ
ونرفرفُ فوق مياه النور لنشربْ
كلماتٌ مغلفة بعاطفة الاشتعال حد الرمق الأخير
وحتي عناوين قصائدة صافية و عميقة كعنوان ديوانة( زهرنامة) تشع حياة وعشقا .. وتختزن فيها كل الأحاسيس والمشاعر الانسانية.
حِينَ نُحِبّ.. جبل العشاق.. صمت مبحوح..هويّة..لاتقلق..غش..زوجة..خيانة..كورونا..
تجاعيد..خٓوٓنة..أوائل الاشياء..لن اقول وداعاً..اليـزرُوق..مـَسْمرة.. بيت القلب..ما تبقى من أناي..حبيبتي القبيحة..إلى أناي..لم أٓجِدْني..اللاشيء..عٓنْدٓلة..رُفأٍنية..لماذا سٓهٓوتٓ عنـي..في ذمة الريح..أمواج..الجاهلي المعاصر..الحب كان لك نكون..الهؤلاء..مما اعطاكِ الله..منعطف الغواية..غيرة
..لن تعتكر..تجنيس..اجتياح..
قراءتي لديوان ” زهرنامة ” هي طبعاَ ليس قراءة نقدية صرفة لاعتبارات متعددة منها أن النقد له رجالاته كما له مواصفاته ومناهجه وأدواته لذا يسعدني ان تكون قراءتي قراءة عاشقة..
قراءة كاشفة وانطباعية بعض الشيء فعاشق الحرف داىماً باحث عن اللذة والمتعة في ثنايا الشعر وتفكيك شفراته.