تحالف الضرورة بين الحب والهيمنة: كيف شوهت الثقافة علاقتنا العاطفية؟

الحلقة التاسعة

بقلم: فابيولا بدوي

مقدمة: الحب في حضن السلطة

لم يكن الحب يوماً عدواً للحرية. لكنه صار كذلك… حين تبنّته ثقافة تجهل المساواة وتقدّس السيطرة.

في مجتمعاتنا، لا يُربى القلب على النبض، بل على الطاعة. ولا تُغذى العلاقة على التفاهم، بل على منطق الغلبة.

هكذا… صار الحب مجازًا للهيمنة، وصار الغرام تدريبًا على الطاعة باسم “العِشرة”.

الذكر لا يُحب… الذكر يَملك

يُربى الذكر على أن الرجولة نقيض الانكسار، وأن العاطفة خطر يهدد صلابته. فلا يُشجَّع على التعبير، بل يُكافَأ على السيطرة، وتُغفر له الخيانة، وتُبارك له الغيرة… حتى لو خنقَ بها شريكته.

“الراجل ما يعايتش”، “ما تخليش واحدة تلفك”، “سيبها تمشي وارجع لها لما تعقل”…

كلها شعارات ذكورية تخفي حقيقة واحدة: الحب ليس شراكة، بل ساحة نفوذ.

الأنثى لا تُحب… الأنثى تُخدم

على الضفة الأخرى، تُربى الفتاة على أن الحب تضحية.

– “لو بتحبيه، استحمليه”
– “البنت الكويسة تسند راجلها”
– “اصبري… الراجل بيتغير بعد الجواز”

تُقنع بأنها كلما تخلّت عن نفسها، اقتربت منه. وكلما سكتت، زاد حبها في قلبه.

يتحوّل الحب إلى أداء نسائي دائم لإثبات الجدارة، بينما هو يراقب، ويختبر، ويتحكم.

الدراما والغناء: رومانسية مسمومة

في الأغاني:
“اضربني بس ما تبعدش عني”، “ده حبنا نار”، “أنا باعشق سي السيد”.

وفي المسلسلات:
الرجل القاسي هو الغامض الجذاب، والمرأة المتحررة إما شريرة أو تعيسة.

الوجدان الجمعي يبتلع هذه الصور ويُعيد إنتاجها. فتصبح الغيرة حبًا، والتهديد غرامًا، والخذلان قدرًا.

نُعلَّم أن الألم دليل تعلق، وأن الغياب اختبار ولاء، وأن “اللي يحبك… يعذبك”.

الحب كاختبار دائم للولاء

يُطلب من المرأة أن تبرر وجودها في العلاقة، وأن تُثبت استحقاقها لحب… لا يُشَكك فيه أحد تجاه الرجل.

– يغيب؟ لها الصبر.
– يشك؟ عليها الاعتذار.
– يغضب؟ عليها الاحتواء.

الميزان مائل، والشراكة مختلّة، والحب تحوّل إلى مطاردة باسم الشغف.

رد تحالف الضرورة: الحب كتعاقد حر، لا عقد إذعان

– الراديكالية ترفض هذه البنية بالكامل: الحب الحقيقي لا يشبه علاقات السيد والخادمة.
– الليبرالية تُطالب بإعادة تعريف العلاقات العاطفية ضمن قيم الاحترام، التوازن، والمسؤولية المتبادلة.

نحن لا نرفض الحب، بل نرفض استعباده.
نريد مشاعر تنمو بحرية، لا تحت رقابة العيب والمقارنة والخوف.

الخاتمة: نُريد حبًا لا يُنتج القهر

لسنا ضد الحب…
بل ضد ما فعلته السلطة بالحب.

نُريد حبًا لا يُعلّق المرأة على مشنقة الصبر، ولا يُخيف الرجل من دمعة، ولا يحوّل العلاقة إلى امتحان دائم للولاء، والطاعة، والنجاة.

نُريد حبًا لا يُلزم المرأة بالتنازل كي تُحَب، ولا يُقنع الرجل أن القسوة رجولة.

نُريد حبًا فيه شريكان، لا حاكم ومحكومة.
نُريد دفئًا… لا مراقبة.
نُريد احتواءً… لا ترويضًا.

فالحب الحقيقي لا يصنع الأقفاص، بل يكسرها

لأن الحب الذي لا يُنبت حرية… ليس حبًا.
ولأن العلاقة التي لا تصون الكرامة… ليست شراكة

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!