ثقافة الحق موسوعة مواقف ثابتة

سميرة بيطام 

 

ان مسألة الحق هي قضية واحدة ولكن بأوجه وآراء مختلفة ، فعلى مر عصور خلت ، كان الانسان يميل لأن ينصف نفسه وغريزته تحت طائل الحق في العيش والتمتع واشباع الرغبات الشخصية من مأكل ومشرب وتكاثر وتعلم وعمل وتفسح الى غير ذلك من أشكال الحقوق التي يحصرها البعض فيما ترغبه النفس الآدمية.

لكن مع ظهور الحروب عبر أزمنة متنوعة  وبداية تشكل الأزمات في تغير نمط العيش ومع ظهور طوائف وكتل كانت ترى في نفسها تميزا لا تعكسه على قبيلة أو عشيرة أو حزب أو جبهة ،لأن المهم هو أن يبقى حق هذه الشعوب قائما  ولو انقسمت و تشرذمت  أن لها باعا مما يُنسب في دستور الوجود ، ولعل التوجه الفكري هو الآخر ينظر لمسألة الحق بنظرة مغايرة تماما لما تحصره بعض العقول في ضرورة التفرد والتميز في نمط العيش والاقبال على متطلبات الفرد من خلال تفاعله في المجتمع أو مع مجتمعات أخرى..

وبنظرة سياسية نقدية بحتة ، ظهر فكر المستشرقين الذين سعوا لأن يجملوا منطق الديمقراطية بما يعاكس صدقية الإسلام في نصوص القرآن الكريم لأن في نظرهم  أن الحق يجب ان يُتبع بالإقناع والحجية والأدلة الدامغة، لكن ليس كل كلمة تحمل في طياتها حقا هي حق، فالحق أحق أن يُتبع اذا كان موصولا بواقعية الفهم الصحيح لكل نص أو قضية أو ملف او ظاهرة موصوفة بعيدا عن أشكال الزيغ والتيه والميل نحو كفة الثقل من المادة والسلطة والعدد والنفوذ، لذلك لن يوصف الحق لدى الكل بنفس الوصف ،فنجد على سبيل المثال ما ورد في كتاب ” الرسول : حياة محمد ” للمستشرق بودلي ، كيف وجد نفسه في كشمير قبيل الحرب العالمية الأولى وكيف تأثر بأحد المسلمين وهو قائم يصلي ،وكذا اندهاشه من ايمان مختلف المسلمين بالأنبياء والرسل، ما جعله يفضل العيش في الصحراء العربية حين اختار من الخيمة دارا ومن البدو أصدقاء..

هذا المثال يوضح مدى التأثر بالإعجاب بنسق معيشة الغير فيبدو ذاك النسق هو الحق في العيش الأمثل ولا يتأتى الاختيار الا بعد التجريب وتقييم السلبيات والتقرب من الايجابيات ، وحتما سيبدو الحق شكلا من أشكال الاقتناع والانجذاب..

هي نفسها حكايا وقصص كثيرة في مجال البحث عن الحقيقة ، الا أن الثابت من الحق هو حب الله والأنبياء والرسل والدين لأنها معالم أحبها المسلم عن قناعة ويستحيل أن يحيد عن هذا الحب تحت أي ظرف أو نازلة، ويتنوع بطبيعة الحال مستوى هذا الحب بين التقوى والوسطية والاعتدال وبين مجرد الاكتفاء بالايمان دون الغوص في معاني الارتقاء الى معنى الحق الذي يحاول أعداء النجاح والدين والتفوق والصلاح أن يشنوا دائما حروبا تعادي هذه المعاني السامية من القيم و الثوابت، فينطلق ناصروا الحق لأن يحافظوا على تلك الثوابت ولا يسمحون بالمساس بها لأنها في حد ذاتها هي عقيدة صحيحة لا يقبلون الحاق الأذى بها شكلا أو قيمة.

لذلك لن يكون الحق مجرد كلمة تنطق أو عبارة تكتب أو خلاصة تُستنتج ،انما هو عبارة عن سلوك دفاعي عن الثوابت والقيم وكل ما له علاقة بالدين والوطن والإنسانية والحرية والحقوق التي كفلها الشرع والقانون، اذ لا يمكن انصاف الحق الا من مدافعيه الذين لديهم صفات ومؤهلات تجعل صوتهم مسموعا وكلامهم مفهوما ومواقفهم محترمة ،فليس من هب ودب يقول الحق وهو لا يملك ضوابط مقنعة لكلامه، وليس كل من يقول أنه يدافع عن الحق هو مدافع حقيقي أو شرس ، بل لابد من توافر شروط وكفاءة وميكانيزمات وقناعة وحجج وخاصة الإخلاص والصدق كوجهين ثابتين لأصحاب الحق ، اذ لا تغيرهم أزمات ولا تضعفهم محن وأعاصير ومشاكل ،بل يبقون بمثابة المنصفين للحق، ثابتون في  جميع الظروف والأزمات لأن القيمة الفعلية للحق أنها موسوعة شاملة لتلك القيم التي تبقى تمثل سيرة شخصية يحملها صاحب الحق أينما حل وارتحل، لتبقى المواقف الثابتة هي الصورة الموضوعية لمن يدافع عن الحق في وقت الرخاء أو وقت الشدة، في وقت اليسر أو وقت العسر ،ولن يتخذ الحق له مطية الا على حجية العدل والاحترام والتزام الحدود عند المطالبة به ان ما تم أخذه من أهله بالقوة أو تم انقاصه تحت أي ظرف كان.

فشمولية الحق هي أن تصيب الحقيقة في عمقها وفي نقطة الاضرار بها ليُسترجع كاملا مكملا ، أو بالأحرى هو ثبات على نهج ومسار واحد  لغاية الوصول الى رد الاعتبار دون تكلف أو ندم  في الخسارة أو الضريبة لأنها ثمن لابد أن يُدفع كلما كانت قيمة الحق غالية أو مؤثرة على الغير أو على صاحب الحق خاصة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!