كتب الدكتور سمير محمد ايوب
إنها في ربيع العمر الحقيقي ، ولها من عَدِّ السنين الكثير . بعض الفضة يساكن شعر رأسها . في وجهها زوجٌ من العيون المُتلألئةِ الهامسة ، تَشي بالشئ ونقيض الشيء . كل تضاريس جمالها طبيعيةٌ أنيقةٌ نبيلة . لها من روح الشباب وعزمه وجماله ، الشيء الأوفر . ليسـت بِمُدْبِرَة في الحياة ، بل مُقْبِلةٌ عليها بإبتساماتٍ شغوفةٍ ، لها نكهةٌ ولها عِطر .
لها من العلم الشيء الغزير . ولها من عَركِ الحياة وباقات الخِبرات ، ما يكفيها لفهمِ وإستبطانِ ، ما خَفِيَ أوأُخْفِيَ عمداً، مما يُعلَنُ لها أو أمامها أو تشارك فيه ، من منطوقِ البوح . هي سيدةٌ ، صالت وجالت في رِحابِ الحياة ، بِعقليةِ روبِنْسن كروزو وكولومبس .
بعد أن طارت كلُّ فِراخِها من العُشِّ ، وفَقَدَتْ الشريكَ ، وعانت من وحدةٍ باردةٍ ، إستقاقَت على مُنْعطفٍ حادٍ في يومياتها . فبعضُ المشاعرِالتي ظنت أنها في مَتْحفِ العُمْرِ ، إستفاقت بعنف . فأجلسَها قلبُها وعقلُها ،على عرشٍ جميلٍ ، من المشاعرِ النبيلةِ الرقراقه . واقتسمت تلك المشاعر مع مَنْ جاءها غازياً ، مستعمراً ، مُتسلللاً ، مُتمرداً ، ثائراً بِجنون . وإحتلَّ هواها . ونشرَ أشرِعَتَهُ على صواريها . ورفع أعلامه عالياً خفاقة . فأصابَها وهنٌ شديد . وهي تُحاول الصعودَ معه ، مُمْسِكَيْنِ بأطرافِ الهوى ، في حيرةٍ من أمرِها كما تقول . يَتقاذفُها تارةً عقلُها وتارةً قلبُها .
جائتني تلك الأنيقةُ النبيلةُ مساءَ يومٍ ما . جلَسَتْ قُبالَتي على بحرٍ ولا أجمل . تنفثُ دُخاناً كثيفاً من سيجارتِها التي لا تَنْطفِأ . مُمسكةٌ باليد الأخرى ، فِنجاناً من القهوةِ المزبوطة ، مُطلقةٌ عنانَ حُزَمٍ من إلتِماعاتِ عينيها ، إلى هناك في الأفقِ البعيد . وطلبت مني التشخيصَ والنصيحة ، بعد أنْ باتت تخشى قلبَها وعقلَها معا .
وسَألَتْ بحيرة ، لها أنينٌ مسموعٌ مقشوعٌ : أين أسْكُنْ ، مع القادمِ من خلفِ غَيْمِ السنين ، وبَردِ الأيام ، ووِحْدَة الَّليالي ؟
قُلتُ ، وأنا أدركُ تفاصيلَ ما أعلم عنهما ، وعما سيذهب إليه قولي : يا سيدتي الاستثنائيةِ المُتَفرِّدَة ، أعلم كم يُضنيكِ الجدلُ بين قلبك وعقلك ، ما رأيك في الجلوس في تلك المسافةِ بينهما ؟ فكلُّ القوافي على كَفَّيْكِ هناك ، تَسْتَحِقُّ المعاناة .