تكون فقيرًا ، حينما يكون مهر أمك في ذمة أبيك دينًا ، ولذا يكتبك الملك الموكل بنفخ روحك، وأنت مضغة في رحم أمك(شقيا مدينًا )، بناءً على السند الذي كتبه أبوك لأمك كصَداق لها…
وحينما تولد في اليمن ، بلا شك تخلق فقيرا ، وتكون طوال الأبد فقيرا ، هذا إن لم تكن من نسل الحكام والساسة، ولا قرابة لك بفجّار الوطن المنشغلين بالتجارة ، ولن يحتفل أحد بمولدك ، ولن تعرف الشموع والأعياد ، وعندما تكبر وتحتاج لبطاقة إثبات الهوية لتلتحق بحرج العمال يلحقك موظف الأحوال المدنية بمواليد 1 /1.
وحينما تنشأ كأطفال الفقراء ،فإنك تأكل الأتربة ، وتلعب بالقراطيس الفارغة ، وتلبس رث الثياب ، وتطأ الأرض حافيَ الأقدام ، وقد تضرب وتعلق في المشانق إن كسرت إناءً ، أو طلبت فاكهة.
وحينما تكون فقيرا ، وتلتحق بالمدرسة كأؤلاء الأطفال ،فإنك تدرس من غير رغبة ودراية بأهمية المدرسة ، وتهرب كثيرا ، وتجوع كثيرا ، ويضربك المعلم على الكراسة والقلم أياما عديدة…
وحين تكون طفلا فقيرا ، قد لا تدرك معنى الفقر والحاجة ، وأنت ترى حقائب زملائك وألبستهم ومأكلهم ومشربهم، وقتها تفهم فقط أن أباك ليس كريما كآبائهم…
حينما تكون فقيرا ، لا تستطيع الحصول على وظيفة ، لأنك تركت المدرسة ، ولم تلتحق بالجامعة ، وإن درست فلن تجد شيئا مما يجد الأغنياء وأصحاب الوجاهات في هذا البلد التعيس..
حينما تكون فقيرًا تجوع ، وحين تجوع تكفر ، وحين تكفر بكل شيء حولك كذاتك عزتك كبريائك أهلك أصدقائك ، تتحوّل في أعين كثيرين إلى مجرد كائن تافهٍ ، وحينما تصير كذلك وتعجز عن تحقيق طموحاتك ومواجهة ما يعترض طريقك ، تتمنى أن تغادر هذا العالم المظلم الذي لم تجد فيه اتساعا…