خياركم أخياركم عند الله/ بقلم : سميرة بيطام

كثيرة هي المفاهيم التي تلتف حول بعضها لتنتقي لها أدق تفاصيل الخيرة من عباد
الله سمعة وخلقا وموقفا وظرفا، ليس الكلام لوحده من سيجد لنا ضالتنا من البحث عن هذه
العملة القليلة من الناس ، لكنها الظروف الملحة هي من ستخرج من رحم هذه الأمة
أخيارها وأتقيائها وأصفيائها ،فقد اختلط الحابل بالنابل ظنا أن المزج بينهما سيصنع التطور
والنهضة والمدد الى حضارات الأمم الأخرى .
في مطالعتنا لأقوال المفكرين حديثي العصر وتحليلاتهم حول قضية الانبعاث
الحضاري أشاروا في أكثر من موضع الى أن المشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى ، ولعل
القرآن الكريم كان أفصح بيانا فيما يخص ضرورة التمسك بالقيم الأخلاقية التي تسهل
دروب الحياة رغم منغصاتها وتفتح آفاق التقدم رغم صعوبتها، لذ لا يكفي العلم وحده ولا
العمل وحده وان اجتمعا الاثنين لخلق الفارق فيما بين رداءة المجتمع القديم وبقاء هذه
الرداءة في مفاصل المجتمع الحديث، وذكرنا للفرد من المجتمع عائد أن لكل أمة
خصوصياتها ونسق العيش والنماء فيها ،لكن جوهر المقارنة هو معيار الأخلاق والى أي
مدى بلغت درجة التمسك بها.
وقد أشار الدكتور الفاضل عبد الحكيم الأنيس في كتابه أحباب الله مخاطبا المسلم
الذي يريد أن يكون حبيب الله أن يتوب ويرجع ويتذلل بين يديه وينادي في جنبات الليل
وأطراف النهار :الهي قد عدت اليك ووفدت اليك معترفا بذنبي مقرا بتقصيري ،شاكيا اليك
ضعفي فاغفر لي وتب علي فأنت القائل :
"يا بن آدم انما ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ،يا بن آدم لو
بغلت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي" رواه الترمذي وقال حسن
صحيح".
وفي مضمون ما سبق ذكره، فان الفرص متاحة للمسلم في أي وقت وحتى لغير
المسلم في أن يتعرف على الإسلام ويفهم فحواه وأهم القضايا التي يدعو اليها من ضرورة

2

معرفة الخالق المعرفة الصحيحة والجادة لفهم نواميس الكون كلها وكيف للأجرام أنها لا
تخطىء مسارها الا في ظواهر ربانية كالخسوف والكسوف وغيرها لتكون بذاتها آيات
قائمة للعالمين..فالنظام متاح وعلى المسلم أن يكون منظما ومرتبا في تعامله مع الله وكلما
ازداد قربا وفهما لمعنى الوجود كلما نال مرتبة الكرماء والأخيار في مجموع العائدين اليه
بصدق .
فاذا كانت التوبة متاحة للمسيء والمذنب والمقصر فمعنى ذلك أن رحمة الله وسعت
كل شيء وهي تفوق رحمة البشر ، فالتردد للعودة الى الله عز وجل انما هو جهل بحقيقة
النجاح والتمكين التي أرادها الله عز وجل في سيرورة الحياة على مر العصور،اذ لم تكن
الرسالة المحمدية مختصرة في سلوك نبي كريم بل جاءت متضمنة الأسس الصحيحة
للحياة الكريمة حتى لو كانت في طبيعتها متعبة وشاقة وبها منغصات ،الا أن ميزان
الاعتدال في الاقبال على الحياة مرهون بمدى قابلية واستعداد المسلم خاصة في أن يعتز
بدينه وبسنة نبيه فيصبح بذلك معيار التفريق بين خيرة الخلق وأخيارهم هو التقوى والزهد
والانابة الى الله عز وجل وقت الشعور بالخسارة أو الفشل أو التيه..
فبوصلة الحياة قائمة على توحيد الله وليس تقييم البشر بأكثر من حجمهم ،لأنهم خليقة
الله ومنهم الصالح ومنهم الطالح ولا يتوقف عليهم أمر موازنة الكون ،لأن الأمر كله لله
تعالى مصداقا لقوله في سورة الفرقان الآية 58 " وتوكل على الحي الذي لا يموت" ،يعني
كل الموجودات هي ميتة وفانية الا الله ،فالعودة والرجوع اليه هي البوصلة الصحيحة
والخالدة التي لا تفنى ولا تضمحل، والاستعداد النفسي للعودة اليها هو مؤشر صحي
وايجابي لثبات الأخيار عند الله ،فالمشاكل لا تنتهي ومضاربات الأعداء بتلون وتعدد
أسلحتهم لا تزول بل تتجدد، وبالتالي في عودة المنيبين والمقصرين شد للهمة وتنمية
للقدرات على الاقبال على معارك الحياة مهما اشتد الصراع فيها ومهما ارتفع مستوى
التعب لمواجهتها، فالعبرة هي بمعرفة ضرورة تلك العودة الى الله لأن فيها استدراج
للخيبات والنكسات وتحويلها مع مرور الوقت الى قوة وعزيمة لتتجلى بذلك زمرة الأخيار
من المسلمين الذين ارتقوا الى صف المؤمنين العارفين بقيمة الرسالة التي جبلوا عليها

3

والتي هي من مضامين حياتهم بل هي العمود الفقري لما هو مقبلون عليه من كفاح وجهاد
وصبر ..
وتحت هذا المسمى من النضال يظهر صنف المتوحدين والمجاهدين مثلما كتب عنهم
الدكتور عبد الحكيم الأنيس في نفس مرجعه أنهم يرخصون أرواحهم في سبيل الله من أجل
نصرة دينه واعلاء كلمته في الأرض وحماية للأوطان من اعتداء المعتدين لأنهم آثروا الله
على أنفسهم ولهذا من الله عليهم وجعلهم من أحبابه مصداقا لقوله تعالى :
"انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " سورة التوبة الآية
41..ومنه يتحقق شرط الأخيار من الناس في قيمة الايمان بالله ودرجه حبه وهي لا تتحقق
الا بالتضحية صدقا وليس قولا وتشهد الملائكة على هذا العطاء الإنساني للخالق عز وجل
في أن الرجعة له مهما طال العمر..الا وهناك نهاية ومحاسبة وجزاء ،فكن من الأخيار
بانتقالك من التربة العادية لعموم الناس الى سمو الرفعة الأخلاقية دون مبالاة لما تم فقده في
سبيل الله والمبادئ والقيم ، فكل مفقود معوض وكل ضائع هو محفوظ عند الله وما ترتيبات
البشر فيما بينهم الا عملات مختلفة ، والاقبال عليه عز وجل في فهم الحكمة الربانية من
تأييد الأتقياء أنه هو المنقذ الوحيد من متاهات الزمن والعيش وان طالت.. فالعبرة بدرجة
الوعي بقدرة الله عز وجل وحسن الظن فيه إزاء مشكلات الحياة ظاهرها وباطنها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!