هل لا زال الكتاب الورقي محتفظا بمكانته الجماهيرية بالتزامن مع
الهجمة الالكترونية الحُبلى بكَمّ هائل ومُخيف من البرامج المُتلفزة أو
تلك التي غزتنا في بيوتاتنا عبر الحواسيب وأقراصها ، وعبر الهواتف
الذكيّة ؟؟، لمن ستؤول نتيجة هذا الـنـّــزال الأبدي ؟ ، هل تطغى الشاشة
؟… هل يطغى الكتاب ؟؟ ،، هذه اسئلة يطرجها الكاتب الجزائري الشيخ قدورة بن عليه
من منا يَحيد عن خط الاعتراف ، من أن الأداة الإعلامية الآنية هي
الماسكةُ بطرفيْ حبل العقل البشري ؟؟ ، فهي بغض النظر عن كونها مسموعة أو
مكتوبةً أو مُشاهدة ، فابتسامة الجذب والتشويق لا تبرح مُحياها لفُرط ”
تواضُعها ” وحُسن استقبالها لكل طارق على بابها ، وإن كان الأخير مفتوح
المِصْرَاعَـيْن على مدار الساعات والأشهر والأعوام !! ، و لو تخيّرنا
أحداً فيها لامتزج تعجُّبُه بقهقهة استغراب قائلا مثلا عن إحداها :
ــ الشاشةُ أريحُ لضميري وأمتعُ لحاسة رؤيتي ! ، أَوَ ليستْ البساط
المُجَنَّحَ الذي يُحلق بي في سماوات العالم وفيافي الدنيا ؟؟ ، بل إنها
كثيرا ما تأخذني وما ضمّ كياني من حواس ، إلى حيث الفضاء الخارجي ، الذي
لم أكـــــــــن في سالف عمري أومنُ بإشاعة الصعود إليه ــ مُعتبرا ذلك
كُـفرا ــ إلاّ من خلال ما جادتْ به عليّ فاتنتي وآسرةُ عقلي من أصناف
متباينةٍ مواضيعها من أشرطةٍ ، أفلامٍ ، فصُوَرٍ آخِذَةٍ بالألباب طبيعية
المنشأ !!؟ ، ولذلك تراني كلما أذِنتْ محطةٌ بالأفول ، تراني في عِراكٍ
سرمديٍّ مع هوائي تلفزتي ، أقـلّـبُه ذات اليمين وذات الشّمال لعلّي أحظى
بمحطة أتهجّد بها ليْلا ، عِوَض السّمر مع كتاب قد لا أقوى على حلّ
طلاسمه و ألغازه !! .
إنّ حالة اعتكاف كهاته ، إزاء أشرطة أفلام ، فرسومات ــــ وليْت الأخيرةَ
كانت لأحبائنا الصغار فقط ــــ من شأنها أن تُحفّز ذا البصيرة ،
المُغربلَ للسيل الجارف من قصائد المدح لهذه الوسيلة ، تُحفزه لأن يتساءل
:
ـــ أهيَ غفوة ، أم سكتة ضميرية ؟؟
قد تكون كلمةَ تأبين ذاتَ بيان في حق بطل المعامع الثقافية ، الذي
وَسَمَــتْهُ الدهور باسم ( الكتاب ) ! ، أم تُرانا ما دُمنا في عصر
السرعة نكتفي بالقليل ــ سَنْدَويتْشْ ــ ثقافي ، بدل الجلوس إلى فارس
الثقافة هذا الصامد ، أو الركون إلى ذوي إرادة في التحصيل العلمي أو
الأدبـي لمناقشة ما يعـود على العامّة بالرّفاه ، و على من سواهم بما
يؤكد رسوخ أقدامهم على أرضية الثقافة الحَقـّـة !! .
إن الاعتماد الكُلّيَ على الوسيلة الإعلامية ، بالأخص الشاشة ــ صغيرتِها
و كبيرتِها ـ وسوء الاستفادة منها ، واعتبارها بديلا لا حِوَلَ عنه عما
ناءت به رفوف المكتبات وقرائح أولي الضمائر النيّرة ، الناقدة ، خطأ ما
بَعده آخر ، وما الدهر لو تدري ــ أخــي القاريء ــ إلاّ من رُوّاة ما
قيّدتْه الأقلام وباحتْ بأسراره التجاربُ والقراطيس ، وما الشاشة وما
تُبديه ملامح وجهها إلاّ سحابة صَيْفٍ إذا ما قُورِنتْ بالمُشار
إلـــــيه منـــذ سطور !! .
وعليه ، وبصرف الالتفاتة إلى البرمجة ومدى مُطابقتها للميول والأذواق ،
فإن هذا الجهاز يبقى أبدَ الدّهر عاجزا عن أن يحُلّ محلّ الكتاب وما حوى
، ولو كُنا نسمع أو نعقل ، ما كُنا من الراكضين حين موعد المُسلسل بأفئدة
تخفق خوفا من تُلغى حلقة هذا المساء ، أو يُبثّ اعتذار عن المُباراة ،
وما أدراك ما تُحْدِثُه ، فالكُل ساعتها ريّاضي الفِكر والحَرَكات ،
كُرَويُّ النّطقِ والانتقادات ، ومن حاول فكّ ضفائرها في حَضْرَةِ
مُحبيها مفقود ــ يا مكــتبتي ــ مفقود !! ، والكُتب من وراء الجدران
والمحافظ تَذكُر أياماً لها انصرمت ، أيامَ كان مكلومُ الفؤاد بها يبيتُ
الليل يُسامرها على نور الشّمع الباهتِ الإنارة ، وها هي ذي عهود الإنارة
تُفاجأ بهُجران الحبيب إلى غيرها !! ، فمن يُعانقها ، وهي المُحِبةُ
للاحتضان والمُداعبة ؟؟ ، ومن ذا الذي يُغازل صفحاتِها و يَطْرَبُ حين
الوقوع على ضالّة طالما ابتغاها في سواها ؟؟ ، فإذا كان للحُبّ العُـذريّ
وُجود في عالمنا هذا ، فإليها تُشَـدُّ الرّحال ، و في رَبْعِهَا تُرمى
عصا التَّرحال !! ، ومن هنا دروب المنطق تسألني :
ــ تــُرى ، هل تطغى الشّاشة على الكِتاب ؟؟ .
سؤالٌ أراه أهلاً لأن يظلّ مطروحاً ، ما دام الكتاب و ما عَمّرَتِ الشّاشة !!