روحانية الأدب – الأديبة فدوى العبود – سوريا

لصحيفة آفاق حرة:

_______________

روحانيّة الأدب

الكاتبة : فدوى العبود – سوريا

لطالما اعتقدت أن في الأدب سراً يفوق اللغة ذاتها..وهذا السر مايجعل كتابة تظهر وكأنها تعويذة سحريّة تشفينا أو تشقينا تلمسنا أو تقربنا من أنفسنا. وكتابة أخرى تظهر وكأنها ورق شجر جاف بدون روح أو معنى.
يسمى ذلك التجربة الأدبية أو (تجربة الحياة) لكني اعتقدت دوماً أن هناك أمر يفوق اللغة
من اين أتاني هذا اليقين؟
ابحث الآن في مسوغاته، لعلي أجد الجواب عند طفولتي.
في ذلك الوقت كانت الغيوم تتحدث عبر تشكيلات سحريّة فتتخذ تارة شكل أرنب وفي أخرى شكل قلب حب -يحدث هذا غالباً في المراهقة-. لكن كما توجد غيوم عابثة توجد آخرى أشد كآبة شبيهة بالأشخاص الذين تشققت أرجلهم والذين اتقنوا فن معاقبة ذاتهم بحرمانها من جمال الكلمة عبر فخ الاعتقاد والايدلوجيا والتعصب.
يبدأ ذلك من خلال طقوس قهر الجسد المتمثل في الوضوء بالماء البارد- حتى لو توفر الماء الساخن- وينتهي بقهر الروح؛ بالنظر للسماء وكأنها سور زنزانة. لكن الاشخاص ذاتهم كانوا يحتاجون الكلمة.
في البدء كانت الكلمة
اقرأ
لم ينتبهوا للعتبة الأولى التي يمكن من خلالها التقدم نحو الحياة. كانت الكلمة تواسي. وكانت الأشياء من حولنا- الاشجار في صمتها، النهر المتدفق بكل تفاصيل تموجاته وسكونه وشفافيته وإعتامه. الضفاف التي تمرح فوقها سلطعونات تمشي بشكل مائل كحياتنا هناك-…تحتاج فقط أن ننقذها من عتمة وجودها عبر اللغة. عبر الفن، عبر قصيدة، لكنهم آثروا أن يفكروا في العذاب والنار. لكن هناك لحظات كان أحدهم يهوي كجدار ويطلب كلمة. عبارة تنقذ روحه من الخوف.
الأدب كل الأدب (الايروتيكي- أدب الحداثة -أدب مابعد الحداثة المتمرد الغاضب الذي يهوى التحطيم) يحمل معنى روحيّاً يجعل منه بلسماً وشفاء، يجعل منه ديانة جديدة. أو بعبارة لايهاب حسن ((إن جملة جميلة يمكن أن تحمل حباً أكبر من عقل يزخر بالمواقف والمبادئ والمذاهب والمعتقدات))
أتذكر يأس والدي الذي يتلخص بعبارة (تعي نشرب متي) هذا الرجل الجبار سيطلب مني بعد قليل أن أحكي له عن الأدب عن رواية قرأتها. أو مقطعاً من قصيدة ثم يطلب شرحها فتتبدل ملامحه وتنبسط وتضيء جبهته التي كانت معتمة طوال الوقت…
إنه سعيد: أقول في سري: هو الآن سعيد ..وروحه تبدو كما لو أنها نبتة يبللها مطر أنيق..رحيم (ولم يكن ذلك سوى الأدب)

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!