زهرة البيلسان أو الشاعرة منية نعيمة جلال، تلك الراقصة في بهرة ضوء نادرة، وهامسة كلّما اشتدّت متاعب الذين من حولها، تجدها تنثر أريجها بالأمل، بالإبتسامة، بلحظات نبلٍ تنبعت من روحها الفيّاضة بالصفاء، فهي تشبه تماما أنشودة الحياة مهما تمرّد الألم وفاض دمعا من الخلجان…
إذاً هي أنشودة الحياة فعلاً التي راقصت الشمس والمطر والمدى فكم لمسنا في هذه الزهرة الرقيقة ذلك الجمال والكبرياء والإعتزاز والثقة دون عقد أو مخلّفات سلبيّة فالبشاشة والحشمة والتقدير للآخر بروح صافية رقيقة وطيّبة هي أكبر دليل على ذلك
فهي في كلمتين : وطن يفتح ذراعيه للحب…
غيرّ أن هذه الزهرة اليانعة تعود بنا إلى ثنايا سطورها وخلف أبواب القصائد…تعود بنا إلى أعوامها الجميلة مفترشة لهاثها والرّماد، وكأنّها غاضبة قليلا من الوقت وعقارب الزمن. متسائلة، حائرة، بين قلب وجسد – بين روحٍ مضتْ وروحٍ مازالتْ هنا لم تستوعب بعد رحيل الأحباب فقد انشطر قلبها شوقا وألما لعزيز ترك صمتا وهمسا في زوايا المكان…
مازالت زهرتنا تتساءل وقد تملّكها حزن شديد رغم تلك الإبتسامة ورغم ذلك الحنان المقدّس المنبعث من قلبها الدافئ :
“كيف أرحل عنك و منك أيها الوجع؟ ”
هي رغم عبيرها وطلاقة لسانها ونبل روحها، نجدها صلبة، صامدة عنيدة، قويّة كأسدٍ تنوء به الظلال الثقيلة لكن بالإيمان الذي خضّب روحها، تحدّتْ كلّ تلك الأوجاع وذلك الموت الذي أخذ منها جزءها الثاني…
الموت لدى زهرة البيلسان (الشاعرة منية نعيمة جلال)، سيّدٌ أنيقٌ جاء من السماء البعيدة فهي راضية خاشعة له في قولها :
“دع هوانا ينمو حرّا أبيّا متى يريد وكما يريد
إن شاء عاش عمرا مديدا ….
وإن شاء مات موتا أنيقا… ”
فهل هناك اكثر من هذا أيمانا ورضاءْ ؟؟
روح إقتنعت بالموت واحتضنت الحزن،
نراها مبتسمة ولا ندرك حجم السهام التي مزقتها وصيّرتها قطعة من الصمت العميق
تارة تيطير نحو الأفق وتارة تلّحق في سماء ارجوانية
متوهّجة فيضيء جوانبنا وأعيننا…
إذا أيّتها الزهرة عن أيّ حزن تتحدّثين فهذا العالم جرحٌ غائر فينا، جميعنا لا نغفوا على سكنٍ..
لن تسقط الشمس أبدا أيّتها الزهرة، مادامتْ قادرة أن تدفينا وتبعث فينا الحرارة في عالمنا الخالي من العاطفة…
تأخذنا زهرة البيلسان إلى ضفاف الحب فنلمس أغوار العاطفة النقيّة مختبئة في انسانيّتها، وحتى في حزنها الذي تحاول في كلّ مرّة أن تخفيه عن العالم الخارجيّ ..
هي عروس تبحر في الدياجير المعتمة وتجمع قطع الحروف على شواطئ الجمان فيعود طائر الشعر يرفرف بين قصائدها الممزقة …
وفي كبرياء الزهرة التي انتقلت بنا إلى الطرف الأخر من النصّ بل من الحبّ نجدها ترفض رفضا باتا أن تقبع أسيرة الهوى خلف قضبان العشق والغرام والهيام…
متشبّعة بالحريّة والعزّة يزيّنها الحبّ وتزيّن به حبيبها
ولابدّ لهذا الحبيب أن يتعلّم كيف تنبت من شفاهها أشجار الكرامة وتتّسع بساتين الفؤاد شموخا
وأملا في كلّ مراحل حياتها…
فبين الميم والنون والياء والتاء، فواصل ونقاطٌ كثيرة توقفنا عندها وعرفنا عن قرب هذا القلم الذي يكتب بلطف ويلقي بحزمة الضوء على من حولِه فهو يبيّن لنا
من خلال جمل كثيرة ذلك الصدق دون زيف للحقائق والمشاعر…
الحورف عند الشاعرة منية نعيمة جلال، ريحٌ من المسك أطيب من كلّ العطورأخذتنا فيها إلى دنيا ثانية أو بالأحرى إلى جنّة من كلمات مطرّزة بحبات من ماسٍ نفيس…