جمالٌ مزيف وقبحٌ مزيف :
الجمال المزيف هو ما استحسنه الرائى واطمأنتْ له النفس وإنْ كان قبيحًا فى أصله ، أمّا القُبْح المزيف فهو ما استقبحه الرائى ونفرتْ منه النفس وإنْ كان جميلاً فى أصله.
-إنّ اختلاف أيديولوجيات البشر تجعل الحكم على ماهية الأشياء والمناهج والأحداث سواء المادية منها أو المعنوية مختلفاً ومتفاوتاً ، بل وأحيانًا متضادًا ، والجمال والقبح مِنْ هذه الأشياء.
-العين ترى والقلب يحس ، أحياناً يُقال هذا الشئ جميل ولكنى أشعر بداخلى أنه قبيح والعكس يحدث أيضاً.والعين لا تكذب صاحبها أبدًا فهى ترى وتصف ما تراه ، فإذا وصلت الرؤية ووصْفها إلى القلب قام بمعالجة البيانات التى تصل إليه من خلال تبنى هذا القلب من أيديولوجيات.
كذلك تتم معالجتها من خلال العقل ، وعند تفاعل القلب مع العقل تكون النتيجة النهائية بالحكم على الأشياء فى كل شئ ومن ضمن هذه الأشياء الجمال والقبح.
الخلاصة إنّ معالجة رؤية الأشياء عن طريق القلب والعقل معاً هى التى تحدد ماهية هذه الأشياء ومن ضمن هذه الماهيات الجمال والقبح.
ولاختلاف الأيديولوجيات لمْ تكنْ ثقافة الجمال ثابتة كذلك ثقافة القبح ، فما هو جميل عند قوم فهو قبيح عند قوم آخرين والعكس.
أنواع الجمال :
-الجمال المعنوى وقبحه…
فالخير والشر ، الحق والباطل ، العدل والظلم ، الجمال والقبح كل هذه المسميات معنوية وهى عبارة عن المعنى الجميل ونقيضه القبيح .
وهذه فيها الخلود والجوهر والثبوت ، فلا يمكن أنْ يُقال عن الحق باطل والعكس ، كما أنّ الحق أو الباطل لا يموت.
-الجمال المادى وقبحه..
السماء والأرض ، الليل والنهار ،الشمس والقمر، كل هذه مسميات مادية لها مدة فى بقائها ، فالشمس سوف تفنى وكذلك تُطوى السماء والارض ، وقد يطول الليل فيلغى النهار ، كذلك فهى غير معرّفة فكلها مسميات أطلقها البشر عليها لما تتميز به من خصائص فى ذاتها.
وتلبس الماديات ألف وجه فهى تتغير على الدوام ، فالسماء مثلاً قد تتجمل فى بعض الأحيان وأحيان أخرى تقبح.
وقد تُسمى فى ثقافة قوم باسم وباسم آخر فى ثقافة قوم آخرين.
-تشوه كاذب فى الجمال المعنوى وقبحه ..
أمّا الجمال المعنوى ونقيضه فإنّ هذا أو ذاك فأنه قد يبدو مشوهاً ، فالصبر معنوىّ قد يوصف بالجميل وقد يوصف بالقبيح ، وفى هذه النقطة قد يلتبس علينا الأمر إذ قلنا أن المعنويات تتميز بالثبات والآصالة والخلود فلِمَ تتغير وتتشوه ؟، وفك شيفرة هذا اللبس بسيطة جداً ، وهو أنّ الثبات والآصالة والخلود ثابتة فى ذات المعنويات ولكنّ الذى يتغير هو الوصف، ولنضرب مثلا ب”الصبر الجميل والقبيح”
الأصل هى كلمة الصبر، والوصف هو الجميل أو القبيح فظلَّ الأصلُ ثابتاً ولكنّ الوصف هو المتغير.
-تشوّه صادق فى الجمال المادي ونقيضه ..
والجمال المادى ونقيضه يتشوّه بالفعل ، فمثلاً فالمرأة الحسناء جميلة الشكل والقوام ولكنها تغوى وتنشز وبالتالى فلا نستطيع أنْ نقول إنّها جميلة أو قبيحة ، لكنّها تشوّهتْ ، أى جمال مادىّ مشوّه.وما شوّهه إلّا فقدانها للجمال المعنوىّ.
هذا فضلاً أنّ هذه المرأة قد تطرأ عليها متغيرات طبيعية فيقبح شكلها سواء تشوّه فى الوجه أو بعامل السن أو اى طارئ آخر.
الجمال المعنوى المتداخل فى الجمال المادى وكذلك القبح :
إنّ المعنويات لها مُسميات ، هذه المسميات تتميز بالخلود والجوهر والثبوت ، ومِنْ أجلها خُلقتْ الماديات وغدتْ لها “الماديات”تبعاً ، فلولا المعنويات ما وُجِدتْ الماديات .
والمعنويات تعطى للماديات صفة ، فمثلاً الحقّ ثابتٌ باقٍ والشمس متغيرة فانية، فكيف يخدمُ الحقُّ الشمسَ ؟
تخدمه بالإضافة .. مثل شمس الحقيقة ، وكذلك علم الحرية وقضبان العبودية.
مما سبق يتضح أنّ المعنويات لا تتغير فى وصفها بالجمال أو القُبح ، أمّا الماديات تتغير.
وتبعًا فإنّ الجمالَ المعنوىّ أو قبْحه هو من يمنح للجمالِ المادىِّ أو قبْحه الصفة َ.
القلب أمْ العين :
الجمال المعنوى ونقيضه خاصة ُالقلب ..
إذن فمظهر الجمال الحقيقي الدائم الذى لا يتحول ولا يفنى لا يمكن أنْ تراه بعينيك وإنّما تراه ببصيرتك، تلك البصيرة التى تتبلور من تفاعل القلب والعقل معاً.
إنّما هو محسوس منبعه القلب ، والقلب يؤثر فى العين فتظهر لامعة لمعان السرور.
والجمال المادى ونقيضه خاصة ُالعين..
وهو خاصة العين دون القلب والعقل ، وذلك لأنّه يعتمد على نسق الأشياء المادية بشرط جدواها فى نفع الكائن الحى ، فإذا تحقق فيها النسق والمنفعة وصِفتْ بالجمال.
وقد تكون غير متسقة ولكنها ذات جدوى للكائن الحى وهذه أيضًا تُوصف بالجمال .
أمّا إن كانتْ متسقة ولم تكن ذات جدوى للكائن الحى فتوصف أيضًا بالجمال .
ولا يخرجها من دائرة الجمال إلّا إذا كانت مُضرّة ، فمهما اتسقتْ تركيباتها فهى قبيحة فى كل الأحوال.
عقبات تحول دون الوصول إلى الجمال الحقيقي:
إنّ الوصول إلى الجمال الحقيقي ليس بالأمر الهين أبداً ، إذ أنّ الوصول إليه هو أعلى مراتب الفضيلة.
فهناك عقبات وتحدّيات تحول دون الوصول إليه.
أحياناً يلبس القبحُ رداء الجمالِ رغبة فى كسْبٍ مادىٍّ أو معنوىٍّ فننخدع فيه ونعيش حياتنا فى قبح متواصل دون أن ندرى.
وأحيانًا أُخرى نجدُّ فى البحث عن الجمال فلا نجده وهذا معزوّ فى الأساس إمّا لانتكاس همتنا وعزائمنا إذا طال أمد البحث وإمّا لاختفائه بسبب إفرازات وتوالد مجتمع فاسد قبيح.
كما أنّ هناك نفوساً فسَدتْ قلوبهم وحَمِقتْ عقولهم ، ومثل هذه الأنواع من أجناس البشر يرون الميزانَ القسطاسَ مقلوباً دائماً كما يرون عصا القيادة المتجهة فى الطريق الصحيح تسير دوماً فى طريق مسدود أو فى طريق مؤدى إلى شفا حفر الجحيم أو سفينة تسير ضد الرياح فى بحرٍ خضمٍ هائجٍ.
دعوة إلى البحث عن الجمال ونبْذ القُبح :
لن نستطيع أن نوصف بالجمال فضلاً عن البحث عنه إلّا إذا استيقظتْ الضمائر الميتة للبشر ونهضتْ من سُباتها العميق من على أسرّة دهاليز الشيطان.
فلتأخذ الضمائرُ الحية بيد الضمائر الميتة للبحث عن الجمال ونبذ القبح ، وليحاولوا معهم مراراً وتكراراً ، فإذا عجزوا عن الأخذ بأيديهم لتمكُن شرىّ النفس والشيطان فيهما فعليهم بالتخلص منهم قدر ما استطاعوا قبل أن يسحبوهم إلى أسرّة دهاليز شياطينهم ، فيقبح كل جميل ويتوحش الناس.
هيّا..تعلموا لتعملوا ، وأبصروا لتبصّروا ، وارعوا أسماعكم لتلبّوا ،واعتصموا بحبل القوة والعزيمة لنبحث عن الجمال الحقيقيّ ونفتش عنه فى كل أرجاء الكون ، ونزيل الحُجُب ونرفع الأستار ونكشف اللجام عن كل ما هو مخبوء منه لتكتمل ملحمتنا وتزداد قوتنا وترتقى حضارتنا نحو مستقبل مشرق وعالم من الفضيله والجمال ، ولنتحاشى الجمال الزائف الذى يقبع بالإنسانيه كلها فى مستنقع مظلمٍ او بحرٍ خضم ٍتتلاطم أمواجه ويكثر فيه الغرقى .
فاستنهضوا إلى الجمال الروحىّ الدائم الحقيقى وتثاقلوا عن الجمال المؤقت الزائف المتحول .
الجمال والقبح فى الخلود :
هذا أو ذاك له مظهر واحد تتجلى فيه أعظم مظاهرالجمال كما يستفحل فيه أفظع مظاهر القبح.
فجمال المعنويات والماديات هناك هو الجمال الأكبر كما أنّ القبح هو القبح الأكبر.
هناك الجمال المعنوىّ فى أعلى صوره ، أمّا الجمال المادىّ فهو أصيل وجوهرىّ ويأخذ طابع الجمال المعنوىّ فى ديمومته .
وكذلك القبح يظهر فى أعلى صوره وقبحه يأخذ القبح المعنوىّ فى ديمومته.