أستاذي وحارسُ بَناتِ فِــكـري ،،
إنّني كلما خَلَوْتُ إلى نفسي أناجيها ، حاولَتْ إرجاعي إلى أحوالٍ خلتْ
من عُمُر زماني ، فأجدُني حينها إزاءك ماثلاً و لدرسك مشدوداَ ، ثم أجول
في دُجى الأيام أبحثُ عن مُغيثٍ أشدّ به أزري وأشركُه في أمري ، فلم أجدْ
غير نبراس فِكرك المضيء ، الهادي ، ليُنقذني كمألوف عادته من الضلال ،
الذي كانت مغبّته الوحيدةُ غشاوة الظروف التي عِشتها لما نادى مُنادي
النّوى ، إيذانا برحيلك من فردوسيَ المفقود آنئذ ! .
يا مَعــقِـــــل اهتـــمــامــي ،،
إنني إذ أجُـرّ شطرَ رحابك هذا الكَـلِم ، إنما لأفصح لك عمّا يعتمل في
قَرارتي من تقدير لك واحترام ، واللهَ أســــأل أن يَهبني لسانَ صدق لا
يخون ما يخُصّه به القلب من أمانة الولاء ، حتّى تخرج في حُلّتها
المعهودة ، فتراها عيناك شاخصة حيالك تُنبي عن تأثر صاحبها بأستاذه الذي
عَبّــدَ جادّتَه وأهداه ما ضَـنّ به غيرُما واحدٍ ممن أبت أنفسُهم إلاّ
امتطاء صهوات التعليم ، دون سابق تمرين جيّدٍ وممارسة مُرضيّة ! .
إنني حيثما وجّهت وجهي وركّزتُ تفكيري ، وكلما ضغطتّ على زُرِّ ذهني
لأُعْمِلَ جهازه ، وجدتّ أوْجُهاً في فناء التعليم ماثلة ، كلما رمقتها
ذكرتُك ، وصال في مُذكّرتي ما كنتَ فاعله في هذا الصّقع المُقدس ! .
لقد كُنتَ بحقّ ــ يا مُنتشلي ــ فارس ” الضّاد ” ومُربّي شواردها ، كنتَ
إلى جانب ما أسلفت ، ذا ذوقٍ رفيع لكل ما تقرأ ، و كنا نحن نتلقى ما
تنبُس به شفتاك بروح رحبة وسَعة تفكير ! .
لقد زرعتَ فينا الحُبّ العفيف الصحيح ، المتمثّلَ عندي في الشّغف بلغة ”
الضّاد ” ، إنني لا طاقة لي على الإلمام بجميع مناقبك أيها الرائد ،،
إنني لستُ مُجانبا لصواب الحقيقة لما آثرتُ لفظ الرائد عما سِواه !!.
كل ذلك ، لأنني أريد أن أُبقي على تأثري بما حَبَاكَ به واجتباك رافع
السماء بلا عَمَـدٍ ، فكنت لي خير سند أعتدّ به في غُدوّي و رواحي في
عالم ” الضّاد ” المليء بالمغاور المُخيفة تارة ، والباعثة على الاطمئنان
والسكينة تارة أخرى ! .
تلكم أستاذي المحترم ، ترجمة حَرفية لما هو قابع في سُويداء الفؤاد ،
وسوف لن يَـنْـبَــتَّ ما كان ، وما هو لحد الساعة موصول بأيدي من ارتضوا
التعليم دِيناً ، فما وَهَنُوا يوما وما استكانوا في جعله جَنّةً يرتادها
كلّ ذي إخلاصٍ لها ، همُّـه الوحيدُ ، تقريب قرابين المعرفة إليها ،
عساها تشفع له لدى رائد النهضة ، الآخذِ بالزّمام ، أبي الجزائر الرّوحي
، عبدِ الحميد بنِ باديس ، وهكذا يكون قد حاز الحُسنى ، وطوبى لمن كانت
مِلك يمينه ، فقدِر على صَوْنِ معناها وإدراك مؤدّاها !.
الآن وقد تزحزح الطائع للبنان من بين أناملي ، مُعترفا بعدم استطاعته
إيـفاءَكَ حقّـكَ الذي أنت حقيقٌ به وجدير بما لا يُحصى منه ، أجدُني
أوميء إليه بأن يتوقّف عن ذلك ، لأنه لو حاول الاستطراد في ما ذهب إليه ،
لأَلْــفَى نفسه في بحر استحالتْ ظُلمتُه إلى أسرجة مُنيرة ، على هديِها
يتّقي العالمون بفنّ الغوص شاهقَ معالمه ومُخيف مَغاوره ، لكونك كالشجرة
المُباركة الزّيتونة ، لا يُستغنى منها على شيء ، فكل ما فيها نافع من
منظرها ، إلى أصلها ، إلى فرعها الذي في السماء .