كتب نجيب كيالي. الحب والمتربصون به

لآفاق حرة

الحب والمتربصون به
(مقالة صغيرة)

بقلم. نجيب كيالي

جهةٌ ما أو جهات كأنها تتربص بالحب بين الرجل والمرأة، وكثيراً ما نسمع أقوالاً من هذا النوع:
* الحب بدعة برجوازية.
* الحب علاقةُ سوائل بين الذكر والأنثى لا أكثر.
* الحب هو مستوى الهرمونات في الجسم.
خلاصة هذه الأقوال أنَّ الرابطة بين المرأة والرجل حدودها الجسد، وأنَّ الحب كلمة مهذبة للتعبير عن الهدف الأساسي، وهو الجماع أو النكاح.
بالعودة إلى تاريخ الإنسان وتطوره نجد العلاقة بين الطرفين بدأت بالحاجة البيولوجية حقاً، ثم جاء الحب تدريجياً مع الثقافة والتحضر والروحانيات، ومع الارتقاء اكتشفَ أهلُ الشفافية، وفي مقدمتهم الشعراء الذين أُسمِّيهم فلاسفةَ العواطف أنَّ الحب الذي انبثقَ من الجنس أهمُّ من الجنس نفسه كالشجرة التي كبرت، وصارت أهمَّ من جذرها، وتوضيحاً أقول:
إن انتقال الإنسان القديم من حالة كائن بيولوجي إلى كائن سسيولوجي أخذ يترافق بوعيه لحاجاته الاجتماعية، ومع الآخَر ولا سيما الأنثى بدأ يشعر بالدفء الوجداني بحضوره، وأنه يلزمه لتحقيق متعة القرب والأُنس لا للفِراش فقط.
وفي رأيي الشخصي أن مأساة الإنسان الكبرى تكمن في أنه كائنٌ معزول منفرد أمام أهوال الوجود، وفي داخله فجوةٌ كبيرة، وفي الدنيا من حوله فجوةٌ مرعبة أخرى، ولا يسدُّ هاتين الفجوتين إلا الحب بمعناه الواسع، وحبُّ الرجل والمرأة من أعلى أنواعه وأعمقها.
وأضيف: الحبُّ إطلاقٌ لرحابتنا المحبوسة، وامتشاقُ القلبِ لنبضٍ جديد يرفعه في وجه اليأس والموت، هو ربيعٌ ينبثق فجأةً من خريفنا، هو جبهتنا التي لا تعرف مستقراً لها تجد أخيراً ذلك المستقر على صدر حبيب.
وظيفةُ الحب النفسية هذه لا يجوز رميها خلف الظهر، وفي عصرنا كما يقول المنطق: إننا مع ازدياد التحضر من المفترَض أن يتضاعف حضور الحب وعالمِهِ الوردي الشفيف بين الرجال والنساء، لكنَّ العكس تماماً هو ما نراه. لماذا؟ لماذا؟
الجواب: هو في شبح المادية المسيطر على العالم، والذي يتحكم في كل شيء، حتى وصل نفوذه إلى الأجساد والأرواح!
يقوم الحوت الرأسمالي حالياً بتعظيم الجنس لأهداف التسليع والتجارة، والعبث والشطارة، ويحارب بطرقٍ خفية تنميةَ الحب والعواطف، ويدوس المشاعرَ واللطائف. آثار أنيابه على أجسامنا وأرواحنا. فهل ننتبه لذلك؟
*
٢٠٢٣/٩/١٣

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!