لا يوجد ما يمكن معاودة الحديث عنه الآن حول الألم والصدمة والوجع التي أصابت السواد الأعظم من الشعب المصري فور الإعلان عن حادث شمال سيناء. لكنني حينما أقول الغالبية العظمي فأنا أعنيها, فقد كشفت هذه الفاجعة بما لا يدع مجالا للشك, أن منا للأسف من يحمل من العداوة والكراهية والغل ما يفوق التصور أو ما يمكن أن تعبر عنه الكلمات.
عانت باريس منذ عامين من صدمة مماثلة ومفاجئة وفاجعة, ولم نسمع مواطنا واحدا اتهم قيادة البلاد أو أمنها بالتواطؤ أو الخيانة أو حاول بعثرة الشكوك حولهما, بل عاشت البلاد فور الهجوم الإرهابي مشهدا من الوحدة الوطنية يضرب به المثل, التزم خلاله أشد المختلفين حينها( اليمين المتطرف) بكل ما تفرضه مقتضيات الوحدة الوطنية التي تحولت إلي واجب وليس مجرد اختيار.
بعدما هدأت النفوس, فإن أقصي ما تم توجيه هو بعض الانتقادات لأداء الرئاسة والحكومة لا تعدو كونها اختلافات في وجهات النظر, لتأخر الحكومة في فرض حالة الطوارئ وبعض الإجراءات الاستثنائية الأخري حماية للبلاد عقب حادث الهجوم علي صحيفة شارل إبدو, بما يؤشر إلي أنها كانت اختلافات صحية تعكس وجهات نظر متباينة حول رؤية كل فصيل سياسي ناضج لما يمكن أن يجنب بلاده بعض ويلات الإرهاب.
ولم نقرأ أو نتابع تصريحات شخصية واحدة من النخب أو البسطاء, وجهت اتهاما صريحا أو حتي تلميحا لقيادات البلاد بفرنسا, بالتفريط أو التهاون أو السعي لتنفي ذ مخطط, إلي أخر ما سمعناه من تحليلات وتعليقات وتطاول.
لو لم تدفع لدينا أشلاء جثث الأطفال في المساجد والكنائس وصرخات أهالي الضحايا, إلي التعالي علي أي اختلافات وخلافات, فمتي يمكن أن يحدث هذا؟
هل الغرض من تلك العملية الدموية البشعة هو الترويع وإعلان هؤلاء القتلة عن أنفسهم ووجودهم, وربما أيضا إخلاء شمال سيناء بالكامل؟ الإجابة بديهيا هي نعم.
هل يعقل ونحن نرفض اتهام المعارضين بالخيانة أن نوجه لقيادات البلاد اتهامات ملتوية بأنها مستفيدة من ذلك الحادث الرهيب؟ نعم هناك من يرغب في إخلاء سيناء, لكنها ليس قيادات الدولة كما يروج أقزام الوطنية لتنفي ذ مخطط القرن, الذي هو مخططهم في الأساس. لكنها جماعات الدم التي تستميت كي تستولي علي هذه الأرض لتعلنها إمارة إسلامية خالصة, وهو ما لن تتمكن منه يوما بإرادة هذا البلد قيادة وشعبا.
وحينما نتحدث عن وجع وطن لا نستثني منه أحدا, فالأمر لا ينسحب فقط علي المواطنين والبسطاء, بل تحتاج اللحظة إلي وعي ويقظة وتلاحم ومصداقية أيضا. فالحديث عمن يروج الشائعات والشكوك حول الحادث لا يجب أن يأخذ منا أكثر من حجمه, وهو معرفتنا اليقينية بأغراضهم وأهدافهم لا أكثر ولا أقل, وأظنهم قد تعروا تماما.
في المقابل نأمل أن يرحمنا شيوخ السلفية من فتاواهم وأصواتهم وآرائهم التي تفرق ومن المستحيل أن تجمع, وتتلاعب بعقول الصغار لتنشئة الأجيال علي التشدد والانغلاق والكراهية.
فالوحدة الوطنية تعني أيضا حماية المواطن كرامة وفكرا, وعدم إهدار قدرته علي المشاركة, فالتلاحم لا يعني علي الإطلاق أن يسود الصمت.
وتفرض علي مؤسستنا الدينية أن تجيبنا, هل داعش التي هي بيننا اليوم كافرة, أم مجرد جماعة مسلمة لا تلتزم بتعاليم الدين؟ وهل سيتم تنقية المناهج الأزهرية بالكامل وبشكل حاسم, أم ستظل مسألة حذف بعض الصفحات من مرحلة تعليمية, وترحيلها إلي أخري هي السبيل الوحيد لادعاء الفعل والتجاوب والإيجابية؟
وأخيرا, هل سنري نخبا حقيقية قادرة علي مواكبة التهديدات أم سنسمع المزيد من التنديد والشجب والمزايدة كسبيل أوحد لا تعرف هذه النخب طريقا سواه لوجودها واستمراريتها؟