يذكرني الظرف الآني برواية ” الحب في زمن الكوليرا” للكاتب الكولومبي “غابرييل غارسيا ماركيز” حيث يتجاوز الحب سلطة الحدود والزمن والوباء وتتجلى عبقريته في جعل المستحيل ممكنا، منتصرا بذلك لفيرمينا وفلورنتينو في سن السبعين بعد رحلات طويلة من التخبط والانتظار واليأس والألم، ورافعا بذلك رايته فوق الجثت نكاية في الموت والعدم.
الآن في زمن الكورونا، يجد العالم نفسه محاصرا وسجينا دون ملامح واضحة للزنزانة والقضبان والسجان، مرغما على تأمل الحياة من بعيد ، من خلف النافذة دون اقتحامها ، كما تعود أن يفعل بكل ما أوتي من شغف وشغب.
في أيامنا العصيبة هذه، تشتعل دواخلنا من أجل أحبائنا وأوطاننا، ونحن ندرك أن الحريق مستمر وأن اللهيب لن يخمد إلا إلى ما بعد الكورونا .
نمضي اليوم محجورين في المنازل، نراقب تفاصيل التفاصيل، نتابع الأخبار بدقة مرهقة، يبدو لنا العالم قرية صغيرة عبر شاشة البلازما والفايسبوك وباقي مواقع التواصل الاجتماعي. يسكننا الهلع من معدل الموت المرتفع ونحن نشاهد دولا عظمى تودع أبنائها بالمئات في اليوم الواحد دون أن تحضنهم كما يليق باللحظة الأخيرة ،ويبرق الأمل في أعيننا لحالة نجاة بعد الإصابة ،معتبرين ذلك انتصارا لنا وهزيمة للوباء اللعين، الذي رغم فظاعته لا يميز بيننا ، لا في الدين ولا في اللون ولا في الوطن ولا في العمر ولا في المركز، ويجعلنا نتوحد ونوقن أكثر من أي وقت مضى أن الإنسانية وحدها دين البشرية جمعاء.
ولننسى وجه القبح قليلا، نلجأ للقيام بأشياء كنا نعدها تافهة وصرنا ندرك قيمتها ومنها قيمة الحياة بأدق جوانبها، تتشابه الأيام وتتساقط الساعات ثقيلة من صنبور الزمن، الانتظار أوحش ما نمر به، والخوف الرابض في القلوب قبل العيون هو حرصنا على الحياة وعلى الوطن…يتبع