مشروع تحالف الضرورة عنف غير مُجَرَّم: حين يصبح الجسد ساحةً للإهانة

بقلم: فابيولا بدوي

الحلقة العاشرة

 

مقدمة: الصمت لا يعني البراءة

بعض أنواع العنف لا تترك أثرًا على الجلد… لكنها تترك شقوقًا في الوعي لا تُرمّم.

هناك عنف لا تصفه القوانين، ولا تصرخ منه الضحية، ولا يُلتقط في تسجيل صوتي أو فيديو فاضح، لكنه حاضر في كل بيت، كل شارع، كل علاقة.

إنه العنف غير المُجَرَّم… الذي نحياه بصمت، ونُربّي عليه أولادنا، ثم نلوم المرأة إن اختنقت.

 

1. جسد المرأة: من ملكٍ خاص إلى ساحة مُباحة

المرأة لا تملك جسدها فعليًا… فهو تحت وصاية الجميع: العائلة، المجتمع، العرف، وحتى القانون.

هي لا تختار كيف تجلس، كيف تلبس، كيف تضحك، كيف تمشي… فكل حركة منها “محسوبة”، وكل انكشاف بسيط قد يُفسَّر كدعوة.

أما الرجل؟ فلا يخجل من جسده، بل يفاخر به، ويراه دليلاً على “رجولته”.

 

2. عنف الطهارة: حين يتحوّل الشرف إلى سوط رمزي

تُقاس قيمة المرأة بطهارتها الجسدية، وكأن العقل، والكرامة، والمبادئ لا تكفي.

– “البنت الشريفة لا تُرى”
– “كل ما كانت عفيفة، كل ما كانت غالية”
– “اللي يحبك يصونك… بمنعك”

يُحوّل الجسد إلى معركة أخلاقية، ويُربط الشرف بما لا تملكه المرأة وحدها: نظرة الآخر.

 

3. اختزال كرامة الرجل في طهارة نسائه

حين تُراد إهانة رجل في مجتمعنا، لا يُقال له: “أنت كاذب”، “أنت عاجز”، بل يُوجَّه إليه سيل من الشتائم الجنسية… جميعها ترتبط بجسد امرأة يعرفها.

– “أمك كذا”
– “أختك تحت الجزمة”
– “دي مراتك… الكل شافها”

يتحوّل جسد المرأة إلى أداة تصفية حسابات بين الرجال، إلى ساحة إهانة رمزية لا تُمسّ قانونًا… لكنها تدمّر إنسانيًا.

المرأة هنا لا تُرى، هي فقط مِلك… يُهان صاحبها حين تُمسّ.

 

4. عنف النظرة واللمز: حين يتحول الصمت إلى قصف ناعم

– النظرات الطويلة في المواصلات.
– الضحك الهامس في الممرات.
– “أصلها كانت لابسة”
– “شوفت حركاتها؟ عاوزة إيه يعني؟”

عنف لا يضرب، لكنه يُقيّد. يجعل من كل خروج مشروع خطرًا، ومن كل تفاعل احتمالاً للإدانة.

 

5. عنف العاطفة: حين يتحول الحب إلى فخ مغطى بالحنان

“أنا بغير عليكي”
“أنا راجل ومش هسمحلك”
“لو بتحبيني… ما تعمليش كده”

كلها جُمل تُقال بحنان، لكنها تُخفي رغبة في السيطرة.

فالغيرة ليست حبًا، والتحكم ليس احتواء، والتضحية القسرية ليست عشقًا.

 

6. عنف المؤسسات: حين تصمت الدولة عن الجرح

– لا قانون يُدين من يهمس بشتيمة جنسية في أذن فتاة في الشارع.
– لا قانون يُعاقب من يُهدّد امرأة بـ”نشر صورها” إن لم تَخضع.
– لا قانون يُحاسب الأب الذي يُرهب ابنته باسم “السمعة”.

الصمت الرسمي هو الجريمة الأكبر. لأنه يسمح للعنف أن يتمدد… ويُلقي اللوم على الضحية.

 

7. رد تحالف الضرورة: كشف ما لا يُرى

– الراديكالية تسأل: من حوّل جسد المرأة إلى ساحة لا تنتهي من المعارك؟
– الليبرالية تطالب بأن يُكتب هذا العنف في دفتر القانون… لا في دفتر الذكريات.

التحالف لا يريد خطابًا غاضبًا فقط، بل منظومة تُعيد تعريف العنف… حتى لو لم يُخلّف كدمة.

 

الخاتمة: إن لم ينزف الجسد… هل يعني أنه بخير؟

نحن نُجيد التعامل مع الدم، لكننا لا نعرف كيف نرى النزيف النفسي، الأخلاقي، الاجتماعي.

الجسد الذي يُهان كل يوم بالكلمات، بالإشارات، بالتلميحات، بالتحكم، هو جسد ينزف… وإن لم يُمس.

والمجتمع الذي يختزل شرفه في جسد امرأة، هو مجتمع لا يعرف لا الشرف… ولا الإنسانية.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!