من مشروع تحالف الضرورة نساء ضد نساء:حين تحرس الضحية أسوار القهر

الحلقة الثامنة

بقلم: فابيولا بدوي

مقدمة: وجه آخر للنظام الأبوي

في كل منظومة قمع، لا يعمل الظلم وحده. السلطة تحتاج إلى “مرآة أنثوية” تعكس صورتها، وتُطبع على الوجوه بابتسامة الطاعة.

ليست المشكلة في المرأة. المشكلة في النظام الذي أعاد تشكيلها… ثم ألبسها ثوب “الفضيلة”، وأعطاها عصا تلوّح بها على بنات جنسها، كأنها تُدافع عن الشرف… وهي في الحقيقة تحرس باب السجن.

كيف تُصنع المرأة الحارسة؟

منذ الطفولة، تتلقى الفتاة تعليمات البقاء الآمن:
– كوني مؤدبة، لا تتكلمي كثيرًا.
– لا ترتدي هذا، لا تجلسي هكذا، لا ترفعي صوتك.
– احذري من نظرة الناس… من كلام الجيران… من عيب المجتمع.

تتعلم الفتاة أن نجاتها لا تكون بالتحرر، بل بالتماهي مع من يكبحها. فتنمو… وتكبر… وتعيد نفس الدروس لبناتها، لتلميذاتها، لزميلاتها.

تتحول من ضحية إلى أداة. من مقهورة إلى شرطية أخلاقية تعمل مجانًا. وأسوأ ما في الأمر… أنها تعتقد أنها تفعل الصواب.

 

هرم السلطة داخل النظام الذكوري: نساء بوجوه محافظة

يعرف النظام الأبوي جيدًا أن رسائله تصبح أنعم حين تنطق بها امرأة. فيضع في الواجهة نساءً يُمثلن “الصورة المقبولة”:
– “الزوجة المطيعة”،
– “الناصحة المحتشمة”،
– “الداعية التي تعرف حدودها”،
– “المعلمة التي تغرس العيب قبل العلم”.

هؤلاء لسن خارجات عن المنظومة، بل هنّ “وجهها الداخلي”. هنّ اللاتي يقلن للمرأة: “أنتِ بخير… طالما بقيتِ في القفص.”.

 

من التواطؤ إلى التكرار: دوافع القهر الداخلي

المرأة التي تهاجم زميلتها لأنها أكثر جرأة، التي تَسخر من ناجحة لأنها لا تشبهها، التي تنصح فتاة بالصمت لأنها خافت أن تتكلم يومًا…

كل هؤلاء لسْنَ “سيئات” بالضرورة، لكنهن جزء من دائرة لا ترحم. فيها تتحوّل النجاة الفردية إلى عدوان جماعي.

الخوف، الحسد، الشعور بالخطر، كلها قد تدفع امرأة لأن تكبح امرأة أخرى، وهي تظن أنها “تحميها”.

نماذج معاصرة: الحارسة في شاشة التلفاز والصف المدرسي

في البرامج التلفزيونية، تظهر المرأة “العاقلة”، تنتقد النسوية، تهاجم الفتيات، تدافع عن القوامة، وتقول إن “المرأة الكاملة هي التي تعرف حجمها”.

وفي الصف المدرسي، تخبر المعلمة الطالبة أن “العلم لا ينفع من دون حياء”، وأن “البنت المحترمة لا تُرى ولا تُسمع”.

وفي البيت، تقول الأم لابنتها: “اسكتي… البنت ما تعليش صوتها، الناس مش هترحمك.”

هكذا يُبنى الجدار، وهكذا تُغرز المسامير بأيدي من لم يصنعنه.

رد تحالف الضرورة: لا نساء ضد نساء

نحن لا نُدين المرأة الحارسة، بل نمد لها مرآة لتتأمل وجهها الحقيقي.
– النسوية الراديكالية تقول: كفى صمتًا، حتى لو جاء من فم امرأة.
– النسوية الليبرالية تقول: الحارسة ليست عدوة، بل ضحية نحتاج لضمّها لا نفيها.

هذا التحالف لا يصنع معسكرين من النساء، بل يفتح بابًا لوعيٍ جديد: من أجل المرأة التي قُمعت، ومن أجل المرأة التي تَقمّصت القامع.

حينها، حين تفتح الحارسة عينيها… ينهار السجن

كل نظام يقف لأن نساءه يحرصن على بقائه. لكن لحظة واحدة من الوعي… كافية لتبدأ الشقوق في الجدار.

حين تسأل الحارسة نفسها: “هل هذا الحبل بيدي… أم في رقبتي؟” يبدأ القيد في التراخي.

وحين تكتشف أن السجن الذي حَمَته… كان يسجنها أيضًا، تصير أول من يفتح الباب، لا لهروبها… بل لتحرير الأخريات معها.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!