بقدر ما اعارض الكثيرون على إجراء لقاء تليفزيوني مع إرهابي, وكان للاعتراض وجاهته, لأننا لسنا في حاجة لمعرفة وجهة نظر إرهابي أو التعرف علي رؤيته, فسفك الدماء هو سفك الدماء ولن يفيدنا في شيء أن نعرف لماذا يرتكب جرائمه.
إلا أن متابعة ذلك الحوار جاءت مخالفة تماما لكل الاعتراضات, فقد كنا بالفعل محتاجين لأن نستمع لأحد النماذج المعبرة عن هؤلاء الشباب المغيب عن الحياة والواقع وكل شيء من حوله. ونحن هنا لن نعيد ونزيد في كل ما قيل من تحليلات تلت الحلقة الشهيرة.
بل نتوقف أمام حالة الذهول العجيبة التي اعترت البعض أمام هذه المساحة من السمع والطاعة وتعطيل العقل والتفكير التي يتمتع بها شباب الإرهاب, علي الرغم من أن هذه الحالة بمسافات تعتري عددا من شبابنا قد يصيبنا جميعا بالإحباط إذا ما وقفنا عليه بدقة.
كل صبية وشباب السلفيين مغيبون بالشكل نفسه, وكل من يسأل عبر برامج الفضائيات المشايخ حول ما يؤرقهم يكتفون بالإجابات المقولبة من دون بذل أي جهد يذكر للبحث والتحري والمقارنة بين وجهات النظر المختلفة واختيار ما يناسبه هو أيضا مغيب أيضا. إذا ما أضفنا إليهم شباب الجماعة المحظورة والجماعات الإسلامية الأخري, لوجدنا كارثة مجتمعية تحيط بنا من كل جانب.
وهو ما يفسر نداءات رئيس الدولة التي يئس من تكرارها بضرورة إعمال العقل والتجديد, بما يعني البحث والتنقيب والتغيير وعدم الخضوع إلي مسلمات التراث بشكل أعمي لا يتناسب مع مقتضيات العصر ووجودنا كدولة محورية في هذا العالم.
الأمر الأغرب في التحليلات نفسها هو استهجان تصور هؤلاء الشباب أنهم يدافعون عن العقيدة ويقومون بحماية الدين الذي هو من الأساس له رب يحميه. للأسف ليس قادة جماعات الدم وحدهم هم من يروجون لهذه الفكرة, وإلا ما معني قضايا ازدراء الأديان ومحاكمة كل من يحاول التجديد وتصيد كلمة أو عبارة للهرولة إلي ساحات المحاكم لمعاقبة من حاول كسر القالب وإعمال العقل سواء أصاب أم أخطأ, أي علي مجرد الاجتهاد.
وفي العموم نحن نتحدث عن شباب تعطلت عقولهم عن التفكير والبحث وإعمال العقل منذ الطفولة عبر المدرسة ومؤسسات أخري لا يعنيها إن كانت تصنع إنسانا أم مسخا لآلة موجهة. هؤلاء الشباب نتاج تعليمنا وإعلامنا ومعارك مؤسساتنا الدينية, حتي أن مروجي الضلال لا يبذلون الكثير من الجهد لاستقطابهم, بل يكفي الضغط علي الظلم الاجتماعي أو التفرقة أو التلويح بالجنة, لاستخدامهم كيفما يشاءون.
هل صدمنا أن هذا الشاب النموذج للقتلة لأنه لا يفكر؟ وهل ينشأ صغارنا وصبيتنا وشبابنا علي التفكير من الأساس؟ أين وكيف وفي أي مرحلة يحدث هذا؟
حتي في الغرب لا يتمكن قادة الدماء إلا من استقطاب الشباب صغار السن الذين تسربوا من الدراسة, أو عاشوا حياة منغلقة علي أنفسهم لشعورهم بالدونية, وفشلوا في جميع مناحي الحياة وعقولهم لا تتقبل سوي فكرة واحدة تتمحور حول أن فشلهم هو نتاج لعنصرية المجتمعات التي يعيشون فيها.
كنا نتساءل كيف يتم غسل أدمغة هؤلاء؟ فجاءت الإجابة واضحة المسألة أبسط من كل تصوراتنا, فما يحدث هو توجيه شرير لأدمغة معطلة من الأساس, لم تتعود في يوم ما علي المناقشة والمقارنة والبحث ومحاولة الوقوف علي الأفضل لها ولحياتها.
من المؤسف أن ذلك الحوار كشف لنا أن قادة الإرهاب لا يبذلون أي جهد لتحويل شاب إلي قنبلة موقوتة, ففي الغالب هو يذهب إليهم جاهزا بنسبة سبعين في المائة حيث لا يعرف منهجا في حياته سوي التلقين.