اهتم النقاد قديما بموضوع السرقات الأدبية، ولكنهم اختلفوا في تحديد ما يعد سرقة، وما هو مجرد تشابه بين الناقل والمنقول منه. وقد أسرف بعضهم في اتهام المتأخر بالسرقة لأدنى شبه في نصه مع نص المتقدم.
وقد أشار محمد مصطفى هدارة إلى أن بعض النقاد العرب قد عرفوا أن العادات والتقاليد الواحدة والظروف الطبيعية التي تحيط بالمكان الواحد لا بد أن تنسج فنا متشابها لا يصح معه الحكم بالسرقة.
ولذا يعمد بعض النقاد إلى القول بأن قول هذا يشبه قول ذلك أو مثله، تحاشيا لاتهامه بالسرقة.
بل إن عبد الملك مرتاض يعزو سبب تحاشي الحداثيين لمصطلح السرقة لأمور؛ منها ما في معنى السرقة من إدانة أخلاقية للأديب، وما فيها من يقينية الحكم باطلاع الآخر على قول الأول، وهو أمر غير ثابت بالدليل القطعي.
لكن ما ذا لو أصبح هذا التشابه أو حتى التطابق في اللفظ والمعنى – أحدهما أو كليهما – لشاعر واحد في قصيدة أو أكثر من قصيدة؟ هل يعد سرقة؟
هذه المسألة تحدث عنها الدكتور جابر الأحمري عرضا في كتابه القيِّم (تجليات النص المشاكل- دراسة نظرية تطبيقية لمتشابه المعاني في شعر امرئ القيس) بعد أن استعرض نماذج من شعر امرئ القيس، وبيته المشهور:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم .. يقولون لا تهلك أسى وتجمل
والذي يشبهه قول طرفة:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم .. يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وكذلك تشابه الشطرين التاليين من مطلعي قصيدتين له، وهما:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان
والملفت للانتباه أن هدارة حَسِب أن العرب لم يعرفوا هذا اللون من السرقة – على الرغم من تقسيماتهم لأنواع السرقة إلى حوالي عشرين نوعا – وأن الغرب هم من اكتشفه وأسماه self- plagiarism فبين الأحمري أن العرب قد عرفوا هذا النوع لكنهم لم يعدوه سرقة ذاتية إذ كيف للمرء أن يسرق نفسه؟ وقد عده ابن رشيق من تكرار المعاني. بل عده ابن أبي الإصبع مزية للشاعر وجعله من التصرف تارة والاقتدار تارة أخرى.
ففي كتابه (تحرير التحبير) أسماه (التصرف) وعرفه بأن يأتي الشاعر إلى معنى فيبرزه في عدة صور تارة بلفظ الاستعارة وطورا بلفظ الإيجاز وآونة بلفظ الإرداف وحينا بلفظ الحقيقة. وفي كتابه (بديع القرآن) أسماه (الاقتدار) وعرفه بأنه اقتدار الشاعر على نظم الكلام وتركيبه وعلى صياغة قوالب المعاني والأغراض.
أما الطوفي البغدادي الذي ألف كتابا أسماه (متشابه الألفاظ ومتشابه المعاني) فقد عالج موضوع التشابه، وعلل سبب وجوده في شعر الشاعر باتحاد المواضيع والتفنن.
ويلخص الأحمري مفهوم كلام ابن أبي الإصبع والطوفي بأن هذا التفنن أو التصرف صادر عن وعي وإرادة وإدراك لما الشاعر يفعله، وهي رغبته في إيراد الكلام على صور شتى تنبئ عن قدرة شعرية وفنية علية.
أما عبد الملك مرتاض فقد أسماه (التناص الذاتي) وعرفه بأنه التكرار الذي يحدث لدى ناص واحد عبر قصيدته أو قصائده من حيث يشعر أو لا يشعر. وعده دليلا على الاحترافية النسجية، أي يدل على أن الشاعر لكثرة ما نسج من نسوج كلامية تكوَّن لديه ما يشبه الأسلوب الذي يلازمه ولا يزايله ويفارقه ولا يفارقه.
عن / مجلة فرقد