وقد علم حينما درسنا في الإعدادية، أن ظهر الكتاب الذي كلّمنا عن الجغرافيا كان مكتوباً على قفاه “لا تتدخل في شؤون الآخرين”. ومن حينها لم أكن أتدخل في شأن أحد، حتى علمت أنني إن لم أتدخل في شؤون الآخرين، كنتُ جزءاً من مخططهم للتدخل في شؤوني، وبتنا جميعاً الآن منعوتين على قفانا بوصمة صمت أكبر من عارنا الممتد منذ نكبتنا وحتى اليوم.
يا هذا، وما قيمة الكلمات أمام امرأة ترابط في الأقصى، وملايين الذكور تتفرج على تصفيات the voice. ما قيمتها وفتاة هي أعلى بصوتها حين تكبّر من كل الظالمين. اطمئن، لن ترد كلماتي بسطار جندي من لتوانيا أتى حالماً بأرض المنّ والسلوى في القدس، لن ترد مستوطناً يُؤمن أن حارة “مئة شعاريم” هي الجنة التي وعده الرب بها، وكلما أطال زنانيره تحت أذنيه، طالت أقدامه الأقصى. لن ترد الكلمات قلب امرأة من “الحريديم” حين تقول لابنها: عليك بالعرب، هذه الأرض لنا، وليست لمحمد الذي مات، وخلّف بنات.
نحن شعوب المواسم فقط، يا هؤلاء: العساكر كل يومٍ في الأقصى، العاهرات من المجنّدات كل يومٍ على سطحه، وفي أزقّة البلدة القديمة، وعلى الحواجز يتبادلين النّكات السافلة ، كل يومٍ الجنود على بواباته، كل جمعةٍ في قلبه، ومنذ 70 عاماً هناك يدخلون ببساطيرهم وبأسلحتهم وبنظاراتهم الشمسية. كل يومٍ يشترون بيوتاً من أهلها، ترغيباً وترهيباً، يغتصبون ما لا يقوى عليه مكرهم، ويبنون مستعمراتهم كسوار من نارٍ حول القدس. كل يومٍ يضيّقون على أهلها، كل يومٍ اعتقال، مداهمة، هدم، طرد، كل يومٍ يا قومَ المواسم. هذا ليس بجديد، الجديد فقط أن مراسل الجزيره بات يُخبركم بما يحصل. تنتهي النشرة، ويذهب ، ونقلب بالريموت كنترول على مأساةٍ/قناةٍ أخرى.
أنا لستُ من القدس، وكمية الإيمان تتضاءل عندي كل يوم، وهمومي تسعة، ليس في آخرها الأقصى .
في بطاقة هويتي كتبوا تحت خانة الديانة “الإسلام”، وقد قال لي رسولي عليه الصلاة والسلام أن ما يبعد عني 100 كم يُشد له الرحال، فشدّ قومي رحالهم صوب واشنطن وتل أبيب ، فهي أقرب لهم من حديث نبيهم.
أنا لن أتدخل في شؤون الآخرين، كما لم يتدخل الآخرون في شؤوننا من قبل، كل ما لدي دعاء، وحساب فيسبوك، وجملة ملطوشة تقول “للأقصى ربٌ يحميه”.
يا أيها الماضون بحجر ودم . ماذا تركتم لنا من قول؟ لا شيء .
في قداستكم نصمت ، وحدها الدماء تتكلم وما كان الدم يوماً يتكلم بعد الحبر.
لا يفهم نتنياهو المعادلة ، إننا نُدفن في الأرض، ننحني في القبور .. لنرتقي !
وهذه المعادلة لم يدرسها “موشيه تبرسكي” لطلابه في مدرسته التوراتية، يعلمهم فقط أن “الغوييم/العرب” عليهم أن يموتوا، ذبحاً، وخنقاً، وحرقاً
وأن هذه الأرض -يا شعب الله المختار- هي مقدسة لنا منذ 4 آلاف سنة، ولكننا تركناها لظروف طارئة!
إنهم لا يتعلمون كيف تعني لنا سكين الطبخ سلاحاً والحجر قذيفه ، وأن آخر ما نفكر فيه حين يغلي مرجل الثأر في صدورنا هو الكيفية التي سنرحّلكم بها إلى جهنم.
أيها القابعون في أسافل بيوتكم، كالفئران الهاربة إنكم لو تبخرتم خوفاً، وصعدتم إلى الغمام قطرات مطر، فإننا سننظر إلى السماء مخاطبين : سيري أينما شئت فإن يهوداً المختبئين فيكِ عائدون إلى سكاكيننا/رصاصنا.
يا من غرزتم ثأركم وأفرغتم غليكم في صدور اللقطاء ، كلما طالت زنانيرهم اقترب هلاكهم. يا من اعتليتم أعناق أبناء اليهودية.
لقد وقف جدكم الفاروق على ذات الجبل الذي أنجبكم ، ثم خاطب القدس، واستلم مفاتيحها، وأذّن بلال كما لم يؤذن منذ وفاة حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وبكى الصحابة، كما بكينا اليوم فرحاً، وشرفاً بكم !
يا أهل فلسطين .. أفرحونا، واشفوا غليل صدوركم
يا أيها العالم .. في فلسطين آخر عهدنا بالرجال.