حسمت الإدارية العليا موضوع تيران وصنافير, ولكن هل اسدلت الستار أيضا علي ما خلفته لنا هذه القضية؟ بالفعل انتهي الجدال حول الجزيرتين فيما يخص الجانب المصري علي الأقل, ولكن كل حدث يمر علي أي مجتمع لا تقتصر جوانبه فقط علي جوهر الحدث, بل تمتد لما نتج عن الحدث من تداعيات كاشفة.
حتي كتابة هذا المقال لم يعلق رئيس الدولة علي حكم المحكمة ولم يوجه أي لوم أو تشهير أو محاولة انتقاص من الحكم أو من نطقوا به, لكن البعض منا فعل هذا وبعبارات غير واعية أو لائقة في حق القضاء أو القضاة, فهل تنقلب الأوضاع لدينا هكذا فجأة؟ نفس الأشخاص كانوا يعلون من شأن القضاء النزيه المستقل وأحكامه التي يجب احترامها, وحينما انقلب السحر علي الساحر جن جنونهم, فهل تتغير المبادئ فجأة أم انكم تزايدون علي الرئيس نفسه؟.
كذلك جعلنا هذا الحكم نري وجها طيبا من غالبية أعضاء البرلمان لم نكن نتوقعه, بل ظننا أن سياسة موافقون هي التي ستتحكم في الموقف, غير أنه حتي من قبل النطق بالحكم كانت الغالبية تتباري في وسائل الإعلام لتسمع صوتها وتعلن انحيازها لمشاعر وإرادة ورؤية المواطنين, كما امتلك البعض شجاعة الاعتذار وتغيير الموقف بعد صدور الحكم لينحاز إلي مصريته وشعب هذا البلد, أما القلة التي تدعي أنها لا تفرط لكنها ترغب في رجوع الحق لأصحابه, ليتها تتحمس ربع هذا الحماس لحصول بسطاء هذا الوطن أبسط حقوقهم الإنسانية.
ثالث الأشياء لا علاقة لها بالاعتراض أو مصادرة وجهة النظر المخالفة, فمن كان يري بأن الجزيرتين سعوديتان فهذا شأنه, ولكن أن يهب متطاولا علي الحكم بمصريتهما مؤكدا ضرورة تسليمهما للمملكة العربية السعودية, فهذا بصدق مزايدة ربما لم تتوقعها المملكة نفسها, اللهم إلا إذا كانت تعلم علم اليقين أن لها رجالا في مصر يرعون مصالحها حتي الرمق الأخير.
رابعا, هل المشكلة كانت في ترسيم الحدود أم في إثبات حق المملكة في ملكية الجزيرتين, لأننا لم نفهم ما يقوله المؤيدون لسعوديتهما, فكل منهم يقسم مرة بأنهما غير مصريتين منذ الأزل, وأخري يشرحون لنا أن مسألة الترسيم تخضع للقانون الدولي, ولابد من تعيين حدودنا البحرية ففيه مصلحتنا, وكأن الجزيرتين قد وقعتا بالصدفة أثناء تعيين الحدود, وأن كل من يرفض هذا يقف ضد التعيين والمصلحة العامة. هذا حديث باهت ويؤشر إلي أن ترسيم الحدود قد راعي بدقة أن تكون الجزيرتان ضمن حقوق المملكة, بما يعني أن المسألة برمتها يمكن إعادة النظر فيها طبقا للقانون الدولي. ولكن علينا أن نفخر بهم أيضا فهذه هي المرة الأولي التي نري فيها أشخاصا يريدون المصلحة العامة لبلدهم ولبلد آخر بالقدر نفسه وفي الوقت ذاته.
خامسا, جميعنا يعلم ويعي عمق العلاقات المصرية السعودية ونعرف أنها تمر بفترة توتر, لا علاقة لها من قريب أو بعيد بقصة الجزيرتين, بل بالتباين في مواقف البلدين حول بعض الملفات الإقليمية.
فلماذا الادعاء بأن تمسكنا بالجزيرتين سوف يفسد العلاقة بين البلدين؟ ولماذا تصوير لجوء المملكة إلي التحكيم الدولي كمأساة ستقوض الصلات والروابط, كان التحكيم الدولي بين قطر والبحرين, فهل ساءت العلاقات بينهما؟ حتي إسرائيل بعد طابا لم تلغ كامب ديفيد ولم تعلن الحرب علينا, فلماذا قلب الحقائق وهذا القدر من التضليل؟ والسؤال الذي يبقي مطروحا: لماذا لم يطالب جلالة الملك عبد الله بهذه الجزر والعلاقات بين البلدين في قمتها
عن /الأهرام المسائي