لصحيفة آفاق حرة
مأساة قرية فقباليا
بقلم. الكاتب انيس ميرو. زاخو
قرية (فقباليا) الجميلة تقع في محافظة (هكاري )في تركيا، تقع بين أحضان الجبال العالية والربيع المستديم بهواء عليل وخضرة زاهية على اغلب ايام السنه و مياه متدفقه من مصادر متعددة نقيه وعذبه مع رزق وفير.؟! أعتاد أهل هذه القرية الكريمة العيش على أرضهم بما تجود أرضهم الخيره من خيرات فهم يزرعون القمح وغيرها ويحصدون الاعشاب على إختلافها وتجمع على شكل أبراج للحلال من اغنام وابقار وجواميس. والتي كانت في تلك الفترة تستخدم للحراثة وللإفادة من البانها و السمن المستخرج من حليبها للاستخدامات المنزلية اليومي و يجمع الباقي في أوعيه خاصة لأوقات ألحاجه أو يتم بيعه عند اللزوم والقرية بسكانها أغلبيتهم من عائله واحدة وتفرعت أولاد عم و أولاد خال وهكذا ..؟؟ كانت القرية تعيش بسلام وكمال وليس لأهلها أيه مشاكل، كل يعمل وفق احتياجاته اليومية في حدود منزله و مزرعته.فجأة حدث شيء رهيب بدون مقدمات، فلقد هاجمت القوات (القيصرية الروسية )مناطق هكاري و أريافها وأنتشر الخبر كالبرق في عموم المناطق.؟؟؟
دخلت القوات (الروسيىة )بهذا الجيش الرهيب بمعداته وعدته وتوغل في هذه المناطق لغرض الانتقام من (الأكراد )و دمرت كل شئ فيه على خلفيات احداث سبقت. لم يكن للشعب (الكردي) يد فيها. وكانت غالبيه هذه المناطق جميلة عامرة في ولاية (هكاري )الحالية و (وان) وما حولهما.؟؟ نعود لهذا الهجوم المروع و البربري !!!الذي نفذ بحق كل ما هو حي من البشر و الحيوان و الدور و القرى. انتشرت هذه الأخبار في المنطقة وبرمتها ووصلت الى قريتنا ( فقباليا)بشكل مرعب. و رويت عنها روايات يكاد المرء ان لا يصدقها لفضاعتها، من قتل و تدمير و حرق للقرى و الدور و البشر. حدث ذلك في فصل الشتاء القارص و هطول الأمطار و الثلوج في تلك الحقبة الزمنية كان ارتفاع الثلوج تتجاوز المترين و النصف واكثر في المناطق الجبلية….هب الرجال للدفاع عن الشرف و حرمات اعراضهم و دورهم و قراهم و بسبب ذهاب الرجال لساحات المعارك الشرسة و كانت معنويات الجيش الروسي القيصري عالية.؟؟؟ و كانت حربا للانتقام من (الاكراد) وكانت بداية لحرب شرسة معده بإتقان. فالجيش (الروسي )ذو المعدات القتالية واعداده النظامية واسلحته الحديثة لا يمكن مقارنتها مع (القبائل ) الكوردية والتي كانت تفتقر للخبرة والسلاح والمدفعية اذ لا وجود للتكافؤ بين الطرفين. و قامت القوات المهاجمة بأفعال مشينة تشمئز النفوس من سردها. ؟؟بقتل كل شيء حي و حرق القرى و البيوت في القصبات و نهب المواد الغذائية المخزونة لدى الاهالي . ففي مدينة (كفر) و اطرافها و جميع مناطق ولاية هكاري الحالية و قراها حيث حدثت ملاحم رهيبة ما بين المهاجمين و الاهالي المدافعين في هذه المناطق عن وطنهم و شرفهم و عوائلهم و حياتهم لقد قتل ما قتل من الاهالي و بسبب تواجد الرجال في الجبهات المتعددة وكثافة الثلوج و تراكمها على اسطح الدور و الزرائب للحيوانات و هروب الاهالي باتجاهات مختلفة انهارت ما تبقت من دور واسطح الزرائب على تلك الحيوانات.؟؟؟ و مع مرور ايام طويله تعفنت الجثث للبشر و الحيوانات و حلت أوبئة و انتشرت فايروسات رهيبة و نفذت المواد الغذائية المتيسرة لدى الاهالي في مناطق القتال و بقى الناس في العراء و كان محظوظا من تمكن الوصول الى مغارة جبليه وهرب الاهالي و بالذات النساء و الفتيات والفتيان الصغار نحو المجهول و انقطعت الاخبار عن غالبيتهم.؟!! وكان مخططا لهذه الحملة البربرية ان تصل قصبة راوندوز في العراق . وبعد ظهور المجاعة و الأوبئة الفتاكة . اصبحت الجماهير تبحث عن اي بشيء يمكن ان يؤكل حتى القطط و الكلاب و الحمير و بقية الدواب و الجلود.؟؟ فانعدمت المواد التموينية والتي اصبحت تحت ركام البيوت وفي كل مكان و تعفنت بسبب الثلوج و مياه الامطار او سرقتها القوات الغازية.؟! فأصبح الحصول على رغيف خبز معجزه او كمية من الرز او البرغل و الطحين شيئاً مستحيلاً . وكثرت الاقاويل الرهيبة مع الهاربين من مناطق التلاحم و الاشتباكات بين الطرفين و لكن العشائر الموجودة على طول هذه الجهات من عشيرة البنيانش و الدوسكية و الارتوشيين وهي من الكوجر وعشائر متعددة هبت للدفاع عن شرفهم وحلالهم واسرهم وابلت بلاءا كبيرا ضد المحتلين والمهاجمين واستشهد غالبية المدافعين او اصيبوا بإصابات بالغة . واشتد القتال وقد بدأت العوائل بالهروب نحو المجهول حيث الطرقات غير ممهده بسبب كثرة تراكم الثلوج وافتقاد الهاربين وغالبيتهم من القرويين وجهلهم بالتضاريس واتجاهات الهروب . فماتت غالبية النساء و الاطفال جوعا من جراء البرد والبلل ؟؟؟ لنعود لمتابعة ما تبقى من افراد قرية بأكملها من المراهقين وعدد من النساء والفتيات اما بقية اهالي قرية فقاباليا فاستشهدوا او ماتوا من اثر الجوع او حصدهم الطاعون المتفشي بين الاهالي و الفايروسات المهلكة وانتشرت هذه الاخبار السيئة عن المجاعة ولم يبق من الحيوانات والكلاب والقطط والحمير و الخيول وأي شيء حياً يمكن ان تذبح و تؤكل والثلوج كانت تهطل بكميات رهيبة مع المطر المتواصل واخبار مرعبه و رهيبة بدأت تلاحق من بقي حيا ويهرب باتجاه الحدود العراقية الحالية قاطعا للجبال والوديان والانهر والروافد المتشعبة او باتجاهات العمق التركي.؟؟ ومن بقي حيا من الفتيات و النساء و الفتيات الصغيرات سنا من قرية فقباليا. كانت المجموعة تتكون من اخين ميرو و حاجي و ابناء عم عثمان و كولي وشقيقتهم زليخه و ابراهيم عنتر و خالد و والدتهم فاطمة كانت امرأه ممتلئة الجسم و حامل في ايامها الأخيرة للولادة و بعد مسير كذا ليلة هلكت معنوياتها من اثر التعب و الجوع اصبحت لا تقوى على المسير و الهروب ويتعذر حملها من قبل البقيه لثقلها وبسبب الجوع والخوف المستمر وعدم النوم فطلبت والدتهم فاطمة منهم بتركها في مغارة في الجبل مع كمية قليلة من قطع الخبز اليابس . ؟!! وتم ترك فاطمه لمصيرها المجهول وقالت لهم اهربوا يا اولادي انا هالكه حقا او ربما ينقذني بعض المارة ..!! ومع هروب الاهالي من مناطق الحرب والاشتباكات تحزمت النساء بالذات بكميات من النقود والقطع الذهبية التي كانت تحت اليد و مع هذه المآسي كثرت وظهرت العصابات في كل الاتجاهات وبدأت بسلب ما يحملون من اي شيء وخاصة الذهب و الفضة وحتى الملابس الجيدة ؟!. و هذه المجاميع من السراق لم يكن لهم دين او قوميه او شرف بل هم اناس مجرمون طفيليون يعتاشون على نكبات و احزان الاخرين وتم قتل العديد من الهاربين بسبب ما يحملون من اموال و استمرت هذه المجموعة وبشق الانفس ان تهرب وتسير ليلا خوفا من مشاهدتهم من قبل هذه العصابات التي تواجدت قرب طرق الفرار ؟؟. ولكن الله كثيرا ما ينصر عباده الصالحين و يؤمن لهم الطريق برحمته وكان (ميرو )شابا ذكيا حيث وضع كل ما يملكه من قطع ذهبيه اصليه في داخل شال و لبسها مباشرة على جسمه لكي لا يشاهدها المتربصون و اخيرا وصلوا تخوم العمادية. وتم تأمين حياتهم من ثم توجهوا الى مدينة دهـــــوك.؟؟ أما( فاطمة )بعد ان تم تركها في تلك الغارة مع كمية قليلة من قطع الخبز اليابس جاءها المخاض وولدت بطفل ذكر جميل وبعد ايام من ذلك صادف ان مر عدد اخر من الهاربين في نفس هذا الطريق وتم التقاط هذا الطفل وتم دفن جثة (الأم فاطمة )التي كانت قد توفيت من جراء الجوع والبرد والالم على فراق ابناءها نحو المجهول..!! وصلت طلائع الجياع و الهاربين لمختلف توابع حدود محافظة( الموصل) و استوطن غالبية الهاربين هذه المناطق واكثرهم لم يفكروا بالعودة الى مناطقهم الاصلية وذويهم في منطقة (هكاري) اشتدت المعارك بين الاحتلال (الروسي القيصري )و مواطني هذه القرى و القصبات و دارت معارك طاحنة بين الجانبين مع عدم وجود تكافؤ بنوعية الاسلحة و العتاد و لكن كان للعشائر و الاهالي بأس شديد على المحتلين وخاصة في منطقة (باشكال )او (باش قلعه) وفي منطقة (جالديران) كانت العشائر (الكوردية )لهم بالمرصاد .؟؟؟ 1- رئيس عشيرة بنيانش كرم اغا. 2- رئيس عشيرة كرافي سعيد اغا و برهم اغا و اسماعيل اغا. 3- عشيرة الدوسكي سيتو اغا أوره ماري. 4- عشائر الكوجر الارتوشيين. و كان لجدنا غازي مجيد جاويش التين دورا بارزا ضد المحتلين و كان يقود مفارز خاصة لكونه كان في الجيش التركي النظامي سابقاً ويقومون بالإغارة على تجمعات الجيش الروسي القيصري.؟ وتم قتل اعداد كبيرة منهم و تحول اسم (غازي مجيد جاويش ألتين) الى اسم مرعب في منطقة تواجده وبالفعل تم اعداد خطط لاغتياله و التخلص منه و لكن الله كان دوما مع المؤمنين الشجعان وتحول اكثر من جهة من جسمه الى اوسمة فخر و مرجله حيث كان جسمه مطرزا بعدد كبير من الاصابات اما بشظايا المدفعية او الاطلاقات النارية ولكن الله اراد ان يحفظ هذا المغوار لكي يروي هذه الاحداث الرهيبة لمن بعده وابناء جلدته وانا منهم والعالم تشظت العوائل باتجاهات مختلفة ما بين العراق الحالي و ايران والعمق التركي.. والبقيه لم يسلم منهم الا افرادا او مفارز ما بين كر و فر. وعلى اثر ذلك وانتشار الوباء مات قسم كبير من الجيش (الروسي القيصري )وهنا حلت اللعنة عليهم ما بين قتيل وميت وتفاعل الطاعون و امراض اخرى كثرت في تلك الايام . وتم اعلان ثورة اكتوبر العظمى سنة 1917؟؟ برئاسة البلشفي (لينين )وتم اصدار امر فوري بانسحاب( القوات الروسية) من الاراضي (التركية) فورا لاشتداد المعارك على مجمل الاراضي( الروسية) في وقتها .
واخيرا استقر ما بقي حيا من (قرية فقباليا )في (دهـــوك )وبفضل كمية الذهب الذي معهم تم فتح متجر في سوق (دهــوك الكبير) بالقرب من (الجامع الكبير )في (دهــوك .) وتم خطبة احدى الفتيات من عائلة كريمة و تزوج (ميرو من عائشة )و تم تزويج شقيقتهم (زليخه )من قريبهم (خالد) و استمرت عجلة الحياة بنمط اخر و ذكريات و احداث اخرى.