لصحيفة آفاق حرة:
ــــــــــــــــــــــــــــ
على البوسفور.. (خاطرة)
بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد
صديق يقف على ضفة البوسفور، أثناء زيارة استجماميّة إلى تركيا، أثارتني صورته؛ لأكتب رسالتي له:
«وأنت بين قارتين.. بين عالميْن.. بين فقر وغنى.. بين بلاد القِلّة والوفرة .. بين بلاد الضعفاء والأقوياء.. ولك أن تتخيّل من موقعك هذا.. الهُوّة السّحيقة الفاصلة بينا وبينهم.. رغم مسافة البوسفور الضيّقة.. التي تعتبر مشوارًا صغيرًا.
صديقي اسْتمتع بوقتك .. مُستلهمًا من وَهْج المكان الكثير من التاريخ وعِبَره.
الحروب والعابرين بانتصاراتهم والرّاجعين بانكساراتهم، والرابحين بتجاراتهم، والقراصنة بغنائمهم.. أنتَ في بُؤرة ارتكازيّة للصّراع المتوهّج قديمًا، المُتجدّد حديثًا بلا انتهاء.. الشّمس على مرآى من عينيّ تغيب.. وأظنّ أنّها ستتوقف عند البوسفور بإشراق دائم، في هذا المكان لن تغيب أبدًا.
أينما تقف يا صديقي: هو حدّ الدنيا لي كمشرقيّ، ولو كنتُ في الغرب لكان لي مشرق الشّمس في كلّ يوم، فإذا ما كنتَ عابرًا له على متن قارب، أو عبر الجسر أو النفق، تأكّد بأنّك بين الشرق والغرب، وقصر المساقة بينهما هي نقيض الهوّة الحضاريّة، التي لن يُجسّرها أو نفق.
ساحة تقسيم الإسطنبوليّة خير دليل على كلامي. اسطنبول تتنازعها شرقيّتها العثمانيّة مجد حضارتها، وأوريّتها في جزئها الغربيّ المُقزّمة خلال قرن مضى بكافّة الملامح والأشكال.
تحياتي