على بعد من أميال الأحلام التي رسمت لها أبعادا في آفاق المستيقظين على واقع ينبض رغبة وحبا ومشقة في نفس الوقت للعيش في أمان، أمان الله ، ممنوح للصابرين ، والواثقين تأكيدا على أن اليوم لا يزينه الغد والغد لا يضمنه الآتي بعد الغد.
لم تكن مراسيل اللغة هي من تطبع على صفحات الكتابة رنات الابداع المسجى بأبهى سمات التحضر والرقي ، بل وهج الدنيا ونورها وضيائها هما الديباجة الأولى لافتتاحية المحاضر، ببركة تجملها صنائع المعروف والإحسان بلا تعداد للكم ولا للنوع..
فهي جماليا كُتبت محاضرها بأحرف من ذهب، لاحت ملامحها منذ الأزل، لأن العارفين بخبايا الجد والكد لم يكونوا وليدي اللحظة من الظهور أو التألق، بل كان لهم باع من التقدم بأصناف شتى من التحمل للشعاب ومشاق الحياة.
ربما كانت رزنامة حياة، أو ربما كانت معضلات تفكيك عُقد المضي قدما نحو المستقبل، والمستقبل الحقيقي هو ما نعيشه اليوم بكل متناقضاته وبكل جوهر نبض الحياة فيهولو لم يكن مضببا.
لم يكن العمل سهلا ممتنعا ولا بالعسير المصعب، بل كانت لحظات مد وجزر دونت خطواتها في محاضر أتقياء ونوابغ أنارت لهم دروب الحياة في أن يكونوا مميزين ، فكان لهم المراد والضريبة أثمانا من الأتعاب والعراقيل .
لا يهم ، ففوق كل جواد كبوة وعلى ظهر كل عالم ندبة خطأ، قد يمحيها قلم العالم بتصحيح عفيف طاهر من شوائب الخلسة والسرقة، وقد يكون اعترافا صريحا بأنه زلة لسان أو انحرافة قلم عن مسارة المعتاد، ولا نقول المسار الصحيح ، فلا صحة عند كل منعرج يتطلب وقفة صريحة وضمنية أحيانا لأخذ العبرة والحكمة من أفواه العقلاء .
ان نقش الكلمة من مخارج حروفها هي دلالة على عنفوان حرية النقلة والثقة في مراسيل أحرفها الندية، فبالكاد يعرف البلبل من تغريداته وتُعرف الحمامة من هديلها وتستخرج الألماس من أغوار البحار لا من سطحها، وزن على ذلك كل مصدر بقالبه.
واكراما لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله لنا الاستغفار وفتح لنا باب التوبة قبل الغرغرة في جوده بتلك النعم ، ويتجلى ربنا في هذه الأيام ليغفر لعباده الا المشرك و المشاحن ويملي للكافر حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، أما الحاسد فلن يسود وقد ظن أن سائد حين أسرعت وتيرة صعوده نحو القمة وهو في الحقيقة استدراج لا غير.
ان التكبير والتهليل والحمد والشكر لله انما هو سعي لتحقيق السعادة والفرح بإذن الله تعالى ، فالعودة والانابة الى الله أقرب طريق لذلك، فيا فتاح ، قد كتبنا في محاضر الاستغفار نوايانا، فيا الله اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك.
انه ثبات القلب على الدين وعلى منوال الصبر والاحتساب مطية مفتاح لكل لخير ومعبر نحو تحقيق الفوائد العظيمة عبر محاضر تزينها تقوى المؤمن الصادق الورع المتزن المحافظ على عقيدته، وسط ضبابية الفتن، ومشاهد التفسخ.. برقة تلك المحاضر وغناها بالفضائل يكون لزاما أن تترسخ في الأذهان صور التحرر من عقدة : الرجوع الى الماضي بلا محاضر تشهد تقدما نحو الحاضر، فمحاضر الاحتساب ومجاهدة النفس ولجمها بلجام العفاف والصبر هي الشاهد على نية الالتزام بالتقوى والورع.