قد يصادفك نَصٌ، وأنت تتجول في شوارع أفكارك بحثًا عن نص آخر، فتضطركما المصادفة لأن تتشاركا الانتظار، أنت تنتظر نصك المتعثر، وهو ينتظر كاتبه المجهول.
قد تصيبكما ضربة شمس فتلجآن إلى ظل مشترك، تتبادلان عبارات الامتعاض، ثم يقرر كل منكما المضي في طريقه.
أو قد يبللكما المطر فيأويكما مقهى قريب، قد تغريكما رائحة القهوة، فيتحسس كل منكما جيبه، ربما تطلبان فنجانين، يدفع كل واحد منكما ثمن قهوته أو قد تأخذ أحدكما المروءة فيدفع ثمن المشروبين من حسابه. حينها ستكون الجولة الأولى لأي نقاش لاحق لصالحه دون أدنى شك.
قد تشغلكما الأحاديث الأدبية، فتكتشفان اختلاف رؤاكما، وقد تكون لكما وجهة النظر نفسها.
ربما يأسرك طرحه فتوافقه بإيماءة مع كل عبارة يقولها. وربما يستفزك طرحه فتقرر احتساء قهوتك مع قطعة صمت.
وربما تكتشفان أن لكما هموما مشتركة، فينحو النقاش إلى الوضع العام وقد يجركما الحديث إلى القضايا السياسية.
قد يحتد بينكما النقاش، فيعلو صوتكما، وربما يضرب أحدكما الطاولة بقبضته فيلفت انتباه الآخرين وقلق النادل.
قد يؤجج النقاش خبر في جريدة مهملة على الطاولة لم تعِراها اهتمامًا قبل تلك اللحظة، أو صوت مذيع يدلق الأخبار؛ لم تكن لتلتقط آذانكما كلمة مما يقول لو لا تواطؤ القدر.
ربما يرمي أحدكما حذاءه في وجه السياسي الذي أطل وجهه مؤخرًا على الشاشة. قد يضحك رواد المقهى ويندب صاحبه.
وقد يتطاير السباب في زوايا المقهى وتنتقل عدوى تراشق الكراسي إلى كل الطاولات.
ربما تصيبكما بعض الرضوض والكدمات هنا وهناك، وقد تنسلان بعيدًا بعد أن أشعلتما الفوضى وقبل وصول رجال الأمن.
قد تركضان في اتجاهين مختلفين، وقد تركضان معا.
قد تنزلقان في الأرض الرطبة فتضحكان كما لم تضحكا من قبل.
وقد تقودكما أقدامكما إلى الشوارع الضيقة، إلى البيوت التي لا سقوف لها إلا الستر. قد تصطدمان بالوجوه التي كبرت قبل أوانها، والأفواه المفتوحة على الجوع والشفاه المطبقة على الوجع.
ربما يصيبكما الهلع، وقد يمطر قلبيكما وتختلط دموعكما بسيل المطر.
قد تعلقان هناك حيث علق ملايين البشر، وقد تنجوان من الهاوية ولا تنجيان من القدر !.
قد تضلان الطريق، وقد تصلان إلى أقرب محطة قطار.
ربما تناديكما الوجهات، وربما تضيعكما الاتجاهات.
قد تأخذان القطار نفسه والوجهة نفسها، وقد تفترقان قبل أن تتبادلا الأسماء والعناوين وقبل أن يحفظ أحدكما ملامح الآخر.