أنا لست شاعراً/بقلم:محمد خالد النبالي(الأردن)

في زوايا هذا العالم البعيد، حيث تلتقي الأشباح بالذكريات، أجد نفسي محاطًا بكتابات لا تعبر عني، ومع ذلك تشبهني. أنا لست شاعرًا، لكنني أتجول في أروقة الشعر، أستنطق الكلمات التي تخبئ في طياتها سرًّا لم يُكتشف بعد.
تتلاشى الصورة في الأفق، وتمتد الأعداد بلا حدود، كما تمتد المسافات بيننا وبين ما نريد أن نكون. أرى الناس، كل منهم يحمل حكاية، ورقة مهترئة من كتاب مفتوح. أتساءل: ماذا لو كانت تلك الحكايات تختبئ وراء ضباب العواطف كالنجوم التي تخفت في سماء ملبدة بالغيوم؟
في الزاوية، هناك ظلٌّ يحمل قلمًا، وقد كُتب عليه “أنا لست شاعرًا”. لكنه يكتب، يشمخ بجمل ملتوية، كأغصان شجرة عتيقة تتمايل في مهب الريح. أرى في عينيه تجاعيد الزمن، ملامح مشاعر هاربة، كرامة الوجود التي تكاد تُنسى بين ضجيج الحياة.
أوّلستُ جزءًا من هذا النسيج؟ أأنا فقط المتفرّج على العواصف، بينما الكلمات تتراقص في دمي؟ الضحك الذي ينبعث من داخلي، يخلط بين الفرحة والحزن، يشبه رقصات قناديل مصنوعة من الفضة تضيء ليالي الشتاء الحالمة. في قلب كل كلمة وقلم، تنبض الحياة، رغم أنني أقول: أنا لست شاعرًا.
الألوان تتداخل كأنها مشاعر متشابكة، فالأسود يتزاوج مع الأبيض ليخلق ظلالًا جديدة، تعكس عواصف أفكاري. أحيانًا، أتمنى لو أستطيع احتواء تلك الألوان، لكنني أكتفي بانتشال الرمز من فراغ لا نهائي. صور الذكرى تتراقص في عقلي، بعضٌ منها مرعب، وآخر جذاب كعطر الكرز في أوائل الربيع.
الليل، له شفافية تعكس ما لم يُقل، والأماني المنسية تتسلل كالجرحى إلى أعماق القلب. مشاعر رهينة، تواجه الأفق المجهول، وخلف كل جملة نطق بها لسان، تمشي الأحلام بصمت. هل أستطيع حتى أن أفكر فيها؟ هل أستطيع أن أكون صوتًا من بين الأصوات الضائعة؟
أنا لست شاعرًا، لكنني روحٌ تتنقل في ملكوت الكلمات، تتخبط بين المعاني، تبحث عن معنى، وتضيع في دروبها، كعصفور في سماء مفتوحة بلا حدود. أتحسس القلم بين أصابعي، أدرك أن الشاعر فيني محبوسٌ، ينتظر زيارتي مرةً أخرى. وككل زائر متخوف، يسأل: هل تقبلني يا صاحبي؟
مع كل همسة في الهواء، يتردد صدى تلك العبارة: “أنا لست شاعرًا.” ولكن، ماذا لو أصبحت في أحد الأيام؟ ماذا لو كانت كل تعبيراتي خيوطًا تنسج حكاية، تتسلل إلى قلوب الآخرين، تلامس أوداجهم؟ حينها، قد أقول: أنا لست شاعرًا، لكنني أستطيع أن أكون.
وهنا، تنتهي كلماتي في أفق من السراب، حيث تتراقص الأحلام وسط الكلمات، في انتظار أن يلامسها قلمي مرة أخرى.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!