(واصطَنَعتُكِ لنفسي)
..إنها امرأةٌ قُدّت من جليدٍ وياسمين . لن تنال منها شيئاً
إلاّ كما ينال المَخِيط من البحر .. امرأةٌ لن تستطيع معها صبراً، ولو حَرِصْت.
امرأةٌ مثلها لن تهَبَكَ سوى سَقْطَ ندفات من ثلوج مشاعرها المقرورة ، لكنّها بحق تكفي لإشعالك، تكفي لإحداث تماس كهربائي بين قُطبيّ عقلك وقلبك، تكفي لإرغامك
على استحضارها كفاتحة صباحٍ فيروزي النغمات، وخاتمة مساء مُبلّل برذاذ طيوفها المُحَلِّقة كصلواتٍ مُزجَاة تترى من محاريب النبوّة.
.وجهُهَا القَمحِيّ، يكفي لجعلك لاتنطق إلّا شعراً، ولا تنضح إلّا نثراً، ولا تنشد إزاء غيابها إلّا صبراً؛
يكفي لإقصاء كُلِّ نساء الأرض عنك إلّاها . قَطمـير من وشوشةٍ شحيحةٍ كفيل بأن تسرِق من مآقيك لذة نعاسك
الفاره. فتكتحل أنت بميل سُهاد التذكار حدّ الهذيان،وتغفو هي بسلامٍ وأمان .
قلّما تفلِت منها مُلاطَفَة مُباغِتة.. لكن إن تفلّتت منها كان وقعها بداخلك عنيفاً، مُزلّزلاً شبيهاً بانهيارٍ جليدي من أعالي الهمالايا .. بقدر انحباسها في أدراج قلبها زمنا طويلا.
فهل هناك ثمة مفارقة .. أغْرَب مِنْ أن يُشعلك أحدهم ببرود مشاعره، دون أن يَدَعَك تنفر
من سطوة جفافه ،أو تتفلّت من حبائل سِحْرِه رغم شُحّه وتقتيره ،وندرة احتراق أعواده بموقدك. كما لن يكون بمقدورك مُغادرة نطاق جاذبيته الفوضويّة..كما لوكنت قمراً اصطناعياً سرعة ٳفلاته مُقنّنة وثابتة.
فأنىَ لك ذلك إنْ هَمَمت؟ ،فضلاُ عن طيوف ذكراه السوّاحة التي لاتنفكّ تُحَلِّق فوق
سهوب مخيالك آناء الصدّ وأطراف الحنين.