صباح النور/ بقلم:علي صالح باعوضة( اليمن )

بأصابعِ حقلٍ مُسنٍ على الأملِ المُرِ قد كان يقتات
كم كانَ يركضُ بينَ ضُلوعي وحُنجرة الكلماتِ
التي أخرستها المسافاتُ..
ألمسُ أثداءَ كل الغيومِ
التي ومضَت كالقلادةِ في صدرِ قريتِنا
أحلبُ الفرحَ المطمئنُ صداه بكلِ النوافذِ
والمنتشي في وجوه الصغارِ
الذين يرشّون وجهَ الترابِ بضحكاتِهم…
والترابُ يدسُّ بجيبِ الهواءِ عقاراً
يداوي الرئات التي تَعبتْ من هواءِ المدينة …

والنخيلُ المُقبّلُ خدَّ السماءِ
إليهِ تُحلقُ بي رغبةٌ للشموخِ الذي يستعيرُ ملامحهُ
كل شيءٍ بقريتِنا الطيبة
بالتمورِ تسوّرني؛ وأماناً يزيلُ عن القلبِ والكلمات
التي في عروق القصيدةِ تبسمُ
كل الحنينِ..
وكل القلقْ..

وتربّتُ بالسعفِ الأخضرِ الأمنياتَ المؤجل اشراقها
فتسيل النهارات من كل نافذةٍ
مرّ وقتٌ طويلٍ على نومها في القصائدِ ..
لا ليل يسجنُ أحلامنا الآن…
حان بأن نكتسي بترانيم جدَّي التي
كان يغسلُ وقت الحصادِ بها في الحقول التعبْ..

كانت الأرضُ تعشقُ جدَّي
وكانَ يرى في شجيراتها
كلُّ أحلامهِ..
كلُّ أبنائهِ ..

لم يكن يرويَ الأرضَ بالماءِ حينَ يوجّه سيرَ السواقي
بكفٍ مخضبةٍ بالجروحِ وبالشوكِ كل “مطيرةْ”
كانت الأرض بالماءِ والحُب تُروى..

كان جدي يُعيرُ ملامحه للغيومِ
فقد كان حُلواً بثغرِ الترابِ مذاق العرقْ،
حين يسقطُ من ذقنهِ وجبينهْ..

وبأزكى روائحها الأرضُ كانت تعانقهُ
حينما يمتلي صدره بالسعالْ..

كان يحفظ أنشودة الأرضِ في قلبهِ
بذرةً..
بذرةً..

والسنابلُ كانت أياديه
ممتدةٌ بسخاءٍ لوجه السماءِ
لكلِ العصافير ِ
كانت تلوّح للجائعينَ
كحبلِ نجاةٍ طويلْ..

كان يغرس في القمحِ دقات قلبهْ..

يأكل الجائعون فيُنبتُ حقلٌ بداخلهِ
فيهِ تشدو العصافيرُ …
… يخلعُ أتعابه ُ
وينام بكتفِ السماء ِ يجاورُ غيمةْ

مات جدي بوقت غروبٍ
بهِ كانت الشمس ترسل آخر قبلاتها نحو قريتنا
فجأةً.. صار للقُبلةِ الـ ظللَّت بيتنا كالغيوم ذراعان
حطّت قُبالة أحزاننا مثل حلمٍ
وطارت بجديَ نحو السماءِ.. فغادرنا للأبدْ

نصف أول ليلٍ لهذا المُصاب المريرِ نهضتُ..
ومن سطحِ منزلنا بعدما هزّ قلب السماءِ وقلبيَ
صوت بكاءٍ خفيفٍ.. ولا أحدٌ بجواري !
فمن بات يبكي ؟!
نظرتُ إلى حقلَ جدي
فأيقنتُ أن البكاءَ الذي أسمع الآن
للأرضِ ؛
للحقلِ ؛
للنخلِ
للزرعِ
للزهرات الصغيرةْ..

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!