عند الثانية بعد منتصف الليل، عدتُ إلى مقعدي المعتاد، ذلك الركن الذي ظلّ يحتفظ بي كلما ضاق صدري بما لا يُقال.
تسلّلت الذكرى بخطى ناعسة، وتذكّرتك…
تذكّرتُ كيف كنتُ أجيء إليك بكامل قلبي، بكامل دفئي، وأعود منك باردًا، منطفئًا… كأنكِ أطفأتِ فيّ كل شيء دون أن تنظري خلفك.
كنت كملعقةٍ تُحمى حتى الاحمرار، تختزن كل لهيبها بصمت،
ثم تُلقى فجأة في ماءٍ بارد،
فلا تنطفئ وحدها، بل ينطفئ شيءٌ فيها…
تبرد ملامحها، لكنها من الداخل تئنُّ بحرارة لا تُرى…
كأن الاحتراق بقي عالقًا في جوفها، ولم يعد هناك من يُنقذها.
كنتُ يومًا لوحةً رسمها فنان مدهش، خبّأها في زاويةٍ من مرسمه، لا يراها أحد، ولا يسأل عنها أحد.
وكنت قد قررت أن أهرب من الكتابة،
ليس لأنني شُفيت،
بل لأنني رجل… في داخلي كبرياء لا يسمح لي أن أبدو حزينًا أو مكسورًا،
لا أحب أن أبدو ضعيفًا أمام أحد، ولا أن يقرأ الناس حزني في سطوري،
لكنني عدت…
عدت لأني لم أجد غير الكتابة حضنًا يحتويني دون أن يسألني: لماذا؟
فإن كتمتُ، اختنقت،
وإن كتبتُ، انكشفت،
وما بين الخنق والانكشاف… أكتب.