أجلس كما لو أنني ضجر
في انتظار مجيء أغنية
أنكش أنفي بإصبعي
ثم أقول هكذا سيبدو المشهد واقعيا
لا فنجان قهوة
ولست أفكرّ في شيء ما
ترى
لو مررت بي
لو حدث أن كنت شبها لي
أهز رأسي
وكأنني أطرد الفكرة
أنا لا أشبهني
*
أستميت وأنا أحاول بلوغ مّطْفأة الحريق
النار تطارد الشّجرة
والشّجرة عالقة برجلي
صرختي في ذيل النار
والدخان يخرج من رأسي
*
أضحك
فيجيبني فم مليء بالضّحك حدّ الدموع
المتساقطة من شاعر لم ينجح
في إقناع اﻷرانب
من مغبة الوقوع
في فخّ الصّيّاد
أضحك كلما سمعت خطبة عصماء
عن إنسان الغاب
الذي يسكن تحت مياه البحيرة
رغم أن بلادي قفر
وصحاريها بلا بحيرات
هذا يستدعي الضّحك
أضحك
وأرقب شاشة العالم
*
للذين يبكون دائما
سأقول
أنا في حاجة إلى علبة آيس كريم
وإلى ظل صخرة ومذياع مصاب بالهذيان
المحطات كلها مشوشة
مثل قصائدَ نافقةٍ
تعالوا فقط
فهذه العلبة تتسع لنا جميعا
تتسع لأصابعنا
ولنمارس الشعرَ والحُبَّ بطلاقَةٍ
بعيدا عن بحور الملح
ولنترك البكاء
للقادمين إلى منازلهم
بعد الطوفان العظيم.
*
من يقنعني بأنني رجل حزين
سأعطيه مسدّسا وذخيرة
وأطلب منه أن يصوّب
على فكرة الحزن المندسّة بين عيني
كيف لي أن أكون حزينا
ولا دموع في الشتاء
ولا ثلوج تزور قريتي
الحزن يحتاج إلى حقيبة
وحقيبتي سرقت ذات ليلة
ومن سرق الحقيبة
سرق الحزن والفرح .
*
أريد أن أفتح الباب
أن أغلقه ثانية
أفتحه وأغلقه
سيمرّ منه زمن ما
سيمرّ منه بشر وأرواح كائنات
أريد أن أفتحه في وجه الفراغ
تعال يا فراغ
نازعني في ممتلكاتي
أريد أن أغلقه
لتكن ضيقا في مداك البعيد
أريد أن أفتح الباب
ﻷخرج
تاركا اﻷشياء الحميمة بالداخل
ثم أعود لأغلقه علي .
*
أمشي ليطول الدرب .
*
لقد حلمت به
حلمت بالطريق يمتد في بطن الأرض ويجرحها
حلمت به يُؤاخي الزمان
لقد حلمت بكل شيء
بإشاراته وأشباحه
بالممكن والمستحيل
ولقد استيقظت فزعا
فالفزع يكمن في نهاية كل درب .
*
كلما وصلت ، يبدأ السفر .
*
مثل درب مهجور، أو مثل سفر مؤجل .
*
أيها الغياب
أنا تفاحتك اﻷخيرة
كُلْني .
*
لست سوى أغنية
أغنية قصيرة
أغنية قصيرة وحزينة
لست سوى رفرفة
رفرفة فراشة
رفرفة فراشة على وردة
رفرفة فراشة على وردة تموت .
هكذا هكذا
إلى أن تنتهي القطرات المتساقطة
من ينبوع في اﻷعالي .
*
لا أعرف
هل هو سوادك الذي لمع في نهاراتي
أم بياضك الذي غشيني في الليل .
*
أنت الغراب
وأنت صديق الروح
فرفرف بجناحيك
اترك لي قليلا على الجرح
وَارْحَلْ إلى غرقهم
أيها الناعق في اﻷلوان
*
أريد أن أتصالح مع الأغنية
التي غنيناها معا ثم كرهتها وحيدا
مع الريح التي كانت تزورنا بهديرها وتقتلع أشجارنا من الجذور
مع من أرسل إليّ حربه في رسالة غير معنونة
مع حبك الذي لم يعد حبا
مع وجهك الذي سافر إلى المجهول
مع قلبي عشق مفاتيح البيانو ونغماته الخافته
أريد أن أتصالح
مع الظلّ وظلّه الغائب فيّ
مع الرحيل إلى باطن الأشياء وانتفاضتي عليها
مع روحي التي ما عادت تعشق الأشياء من أسمائها
أريد أن أتصالح مع الله وقلبي
مع الحياة وقارب الورق المتآكل
مع الفراشات ونجمة في أقاصي الكون مازالت تلمع
أريد أن أتصالح معي .
*
أيها الهارب بدمه وذاته
المفزوع مما حوله
ليس هنالك ما يخيف
فالدنيا خاوية
والفزع الأكبر وما تهرب منه
يكمن في داخلك .
*
ولقد جلست على الأرض
جعلت من أصابع قدميّ
أغصانا لنبتة يانعة
وجعلت من باطنهما
حوضا ينتظر السيل .
*
عدت الآن
عدت مكسورا كامرأة خاسرة
في رهان الحب
عدت لأطرق على الأرض
بأصابعي التي تساقطت مفاصلها
ثم أستمع بصمت وتبتل
إلى جواب يجيء من الأعماق .