كتب سعيد أبو ضيف. قصة حيوان. قصة قصيرة

لآفاق حرة

قصة حيوان

بقلم. سعيد أبو ضيف. مصر

إسمي حيمن
لكني لم أعرف إسماً لأبي أو أمي حتى الآن .
لكن بمضي الأيام ، عرفت الغد وبعد الغد ، تتغيّر عنها الأسماء .
وحتّى اليوم .
فاليوم يصير الأمس وأول أمس .
والغد يصير اليوم ، وبعد الغد يصير غداً ، وكذلك كل الأيام .
وأبي أسموه بإسمين .
إسمٌ مكتوبٌ في أوراق حكمدار البلدة ” شوكت ” .
وهو المشهور لدى شيخ الحارة ، وإمام المسجد في القرية ، ويُنادى بين الجيران .
مسعود بن حسين التاجر .
كان اسم ابي مُسعد ، لوحة تتصدر باب الدكان .
ويُنادى أيضاً مسعود .
لكن في الليل يكون له إسمُ يعرفه الإخوان .
بين الأعمام وفي الأسرة ” أبرام بن يشوع الخادم ” .
أما أُمّي فهي الأخرى كانت ميريام .
وأبوها كان يدلِّلها ويناديها ” بسمة أو سوما ” .
إبنة داوود الخيّام .
ــــــ
لازلت أنا في صلب أبي .
لم أخرج بعد إلى الدنيا .
فأنا حيمن وأخي حيمن .
في خِصية أبرام اليمنى .
ولنا في خصيته اليسرى .
أيضاً أخوات .
كلّ منهن لها ولهن .. نفس الإسم : حيمن .. حيمن .
ــــــ
كنّا نشتاق لكي نخرج من صلب أبي .
وأنا أسبح في حوصلتي المنوية .
منتظراً أن أخرج يوماً ، في مهبل أمي ميريام .
كنت حريصاً ألا أبقى أبداً في خصية مسعود .
فغمزت أخي ، وأخي ، وأخي ، وتغامزنا وتآمرنا .
كي نجعل من يوم الجمعة .
يوماً للحشد .
ونثور جميعاً في الخصية .
كي نتحرّر ليلة يومٍ ، يعقبه في غده السبت .
ــــــ
إخواني الحيامن : إنتبهوا .. قد حان الوقت .
قد صرنا اليوم ملاييناً في خصية مسعود اليمنى .
ولنا أخوات تتهادى في خصية مسعود اليسرى .
والليلة ستكون الجمعة ، وغدا سوف يكون السبت .
فرصتنا الليلة سانحة لخروج تسبقه الرغبة .
والشوق لتخصيب دُحيّة .. ظلت حيّة ، في رحم الأم المشتاقة لأبي مسعود .
أمي ميريام .
ــــــ
ننتظر الآن غروب الشمس .
وأنا حيمن ، وأخي حيمن ، نتسلّل بين حواصلنا ، ونداعب مسعود التاجر بالإسم الآخر إبرام .
قم يا إبرام فما عدنا ننتظر الحبس لأيام .
سوما تنتظرك في لهفة ، والليلة لن تتركك تنام .
إلّا إن نالت حاجتها .. وأنارت ليلة جمعتها .. وروت منك الأرض العطشى ، وطلت بالعسل الجدران .
قم يا مسعود التاجر وتذكر أنك إبراهام .
ــــــ
مسعود يحصي النقود ، ويفصل الدراهم عن الدنانير ، ويستبقي بعض الدراهم في جيب سرواله تحت الجلباب ، ثم يحفر حفرة وراء باب الدكان ، في مكانٍ حصين ، يدع فيه الدنانير ، لكي لا يصل إليها لصٌ مغامر ، أو قريبٍ مُقامر ، ويعاين ما بقي من بضاعته ، ليتذكرها فور أن يفتح الدكان صباح الأحد ، فاليوم هو يوم الجمعة ، والغد السبت .
وجماعة مسعود الكبرى ، لا تعمل شيئاً بالبتّة .. في يوم السبت .
ثم قام خارجاً من باب الدكان ، وأرخى ستائره الداخلية ، ثم أردف الأبواب الخارجية ، ومدّ بينها القوائم الحديدية ، ووضع الأقفال ، ثم ختم على مكانها بعلامات سريّة ليعرف إن كان أحد بعد ذهابه قد قام بتحريكها من مكانها ، أو لمسها أو حاول العبث بها أو فتحها .. وانصرف بخطواتٍ مُتأنية نحو البيت ، وبين الحين والحين يسترق النظر إلى الوراء ، خشية أن يكون قد تبعه فتىً من اللصوص ، أو شحاذٍ منحوس .
ــــــ
عدنا أنا وإخواني الحيامن ، وأنا الحيمن الكبير ، وإخوتي الحيامن حسان ولكنهم أصغر مني ، لكنني أنا الذي سأكون الماهر بالعزف على الأرغول ، وصياد الصقور ، وأنا الحيمن الذي سأكون فيما بعد رئيساً لشعب ، سوف أذيقه الويل والثبور وعظائم الأمور ، ليعرف هذا الشعب أنني منذ كنت حيمن في خصية أبي ، وقبل أن ينزلني في مهبل أمي ، وقبل أن أتعرف على الدُحيّة التي لقَّحتها ، كنت أعرف أنني سوف أكون رئيساً .. تلبسني أمي خاتمها الموروث عن جدها السامري .
ولن يعرف أحد أبدا سر الخاتم .
الذي صاغه جدي السامري ، بعد أن مزج التراب الذي اختلسه من تحت كعب الملاك جبرائيل ، حين كان يكلم النبي موسى ، خلط التراب بالذهب المسبوك ، فجعله عجلاً جسداً له خوار .
واختار حصاة سوداء من التراب الذي تحت كعب الملاك ، صاغها خاتماً ، يتحكم من يتختم به في مصائر العباد ، يقرِّب منهم من يشاء ، ويستبعد منهم من يشاء ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
ليبقى السامري بين الناس إلى يومنا هذا .
مكتوب ومقضيٌ عليه أن يقول : لا مساس .
لا مساس .
لا مساس .

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!