لعل بعض الضوء يُلْقَى على الرياضيات
في مجلة ثقافية
يرفع قليلا ويعزز من شأن الأدب..؟
الصّفر، انعدام القيمة أو اللاشيء؟
الحاضر – بيننا دوما – كلما ازداد حضوره
في “اليمين”..؟ ازداد يمنا وبركة
وأضاف قيمة لما جاوره من الأرقام
وكله على حساب”اليسار”
يتوسط خطّ الأعداد من اللانهاية
إلى لانهاية جديدةعلى الجانب الآخر
هو أقرب إلى الفكرة منه إلى الرقم
تتفاخر باكتشافه أعرق الحضارات
حاز من الأهمية بما يفوقأخصبخيال
محايد في الجمع والطرح
نَظَّرَ له يوما “*جورج غرَّة”بقوله:
“مُدمِّرٌ في القسمة والضرب”
كما فعلته أميركا في ناجازاكي
وهيروشيما
وما “فعلوه” بنا في “بيروشيما”
من الداخل والخارج
عندما قتلونا.. ودمروا اقتصادنا
وما أكثر الأصفار “المُدَمِّرة” للاقتصاد
في تشكيل حكومة الحريري.. عون
والدكتورأحمد شبيب دياب
أكرمه الله كماأكرمني، وعلَّمني؟
أن الصفر رقم زوجيّ.. لا مزدوج
وأن الأعداد الزوجيّة هي:
تلكالتي تأتي على شكل 2n
أما الأعداد الفردية
فتأتي على شكل 2n+1
nهو عدد طبيعي
ومنه إذا كان n=0
فإن 2n=0 وهكذا فإن 2n+1=1
وبالتاليفالأعداد الزوجية.. هي
تلك التي تقبل القسمة على اثنين
بينما “قِسْمَتُنا”
في “وطن النجوم أنا هنا حدِّق أتعرف من أنا”..؟!!
البلدُ المنكودُ بِقَدَرِه
المنكوب بفساد ساسته وحكامه… يتجاوز كل الأرقام
أما الصفر المطلق absolu في الحرارة
فإنه حيث ينعدم ضغط الغاز المثالي
كما ينعدم وطن الجمال والأرز الخلاب في لبنان
والصفر لغةً؟ والكلام من جديدللدكتور أحمد شبيب
علامة الخلو والانعدام
فيقال مثلا: سافر فلان للعمل خارج البلاد
ولكنه بعد سنين، عاد صفر اليدين
أوخالي الوفاض؛ ولو قلناعاد بخفيّ حنين؟ فيعني أنه
عادمن غير المُعدَمين..؟ وكان نسبيّ”الثراء”
***********************
على ضفاف “دجلة” ما يزال
حشدٌ من الآلهة يتباطأ
فبعضهم برزوا من الطوفان والكتب الأولى
والآخرون قدِموا مع الفاتحين أو التجار
وقليل من المؤمنين في “المدائن” يحتفظون
بصلواتهم لوثن أوحد
من “حدائق النور”لأمين معلوف
ترك الكتاب مفتوحاً على الصفحة التي بلغها،وغطى به وجههلراحة عينيهمن النور، وشرد بفكرهيستعيدالمشاهدالتي توالت أمام ناظريه خلال ساعة من القراءة في الكتاب.كان من أشهر علماء عصره في بلاد الرافدين، منذ حضارةالعهد البابلي والسبي، وسيادة الخطيئة والموت في واكدَ وآشورَ والكلدان.تَقَمَّصه عباقرة العلوم عبر تاريخ حضاري طويل.يُنَظِّرُ فيالشرائعمُجَلياً في الرياضيات والفيزياء، إضافة إلى تخصُّصِه في مجالالاتصالات.
سخَّر الصّفر وأدخل تعديلات على الحاسوب، وغدت هذه الآلات أسرع في استجابتها آلاف المرات عما كانت عليه منذ عهدٍ قريب، وتحوّلت منجزاته العلمية المتنوعة إلى شاهد مرموق، على حضارةعصر جديد في بلاد الرافدين.
كان قبلة أنظارمعظم المهتمين المتابعين في حقل جزئيات”النانو” والرياضيات، كما في سائر ساحات التجارب الأخرى،ومطمح آمال كبرى الشركات التي دأبت فيما بينها علىالسباق المحموم،لاستقطابه في اختراع أكفأ وأحدثالآلات. والدولة خصصت له حراساً،وجهازاً أمنياً لمرافقته والسهر علىسلامته؟للحفاظ علىهذه الثروة الوطنية النادرة، التي يرصدونها بعين الحسد في كل الجوار.كان أيضاً أستاذاً محاضراً في الجامعة الوطنية للبلاد.
جرى ذلك كلهبقرارٍ من أعلى السلطات، ضمانةلمستقبلجيل منالطلاب،والإفادة من قدراتهالعلمية في الشركة، التي حظيت منه بالموافقة على العمل فيها، فأسندت إليهقسم التخطيط في رأس الأوليات. وكان لانشغاله البالغ وضيق وقته؟يكتفي في اليومبوجبة منالطعام، وفي إجازاته لم يكن مطلق الحرية كسائر الناس؟ بل مقيَّداً حتى مع المرأة التي يقاسمها عواطفه في ساعات الصفاء. يرنو إلى عينيهابنظراتٍ علمية حالمة..ونهضةٍبعيدة الآفاق!
كان مع طلاب السنة الأولى، يجوب أرجاء الشركة ومختلف الأقسام فيها،يشرح لهم لزوم الرياضيات والكيمياء،وعلم المنطق”وميكانيكيا”الحركة والتعدين، وصناعة أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن البلاد..يتناول في حديثه معهمالإدارة الواعية في مختلفالقطاعات الصناعية الحديثة، والتفاعل معإدارة الورش المنتجة والعمال، وسياسة الشركة في تسويق منتجاتها والعائدات المالية الهائلة،ما جعلها من أغنى وأهم الشركات المماثلة على الإطلاق، وحينما وصل مع طلابه إلى قسم التخطيط، انقطعتِ الكهرباءُوتوقفتِ التغذية بالتيار،فعمَّ الظلام المكان.
انتدب الأستاذُالمحاضر طالبا من المجموعهليصحِّحَ وضعية”*الفاصل”، وإعادة التيار إلى أرجاء المعامل والأقسام.من قسمالإدارة والتخطيط، إلى قسم الإنتاجوورش الميكانيك، بالإضافة إلى قاعة المحاضرات وخلايا التدريب،فالقسم السرّيلحماية الاختراعات.هذا القسم على وجه التحديديتولى مراقبتة فصيل من عناصر الاستخبارات في البلاد، تم اختياره بدقة عالية لحراسة المكان والتدقيق في هوية الداخل والخارج، ومراقبة الهواتف المحمولةفلا يتسرب أي سر من أسرار الشركة، إلى المناوئين والمضاربين أو الموالين على حدٍ سواء..
والطالب المكلف بإعادة التيار متواضع المواهب، انتسب إلى الجامعة عن طريق الخطأ أوالتزوير..؟ حينمامنحته أمينة سر شؤون الطلبة في رئاسة الجامعة، علاوة صفر واحد إلى اليمين من مجموع علاماته في امتحان الدخول.
أمينة السر هذه شابة جميلةوجذابة وتتمتع بحضور مثير. خطب ودّها طوالوجودها في الشركة معظم الأساتذة وكبار الموظفين،ممن تعاقبوا على العمل قريبا منها. وهذا الطالب المغمور يدرك جيدا بالرغم من بساطته؟ أنها فتاة لعوب تعبث بالمتوددين،تستنفدُ طاقاتهم وتغدربعواطفهمفلم تهب قلبها يوماً لأحد. ولا ينبغي له أن يركنَويطمئن إلى ما تَعِد أو تقول. لكنها حينما أحصتْ له مجموع علاماته ومنحته ذلك الصفر المقرر،وأبدت له عن حسن نواياها وصدق مشاعرها، حملته على الثقة والتصديق. هكذا دخل الجامعة بفضلهاووجد فيها ضالته المنشودة، فأحبها وهام بها وواعدها على الزواج، وبادلته للمرة الأولى حباً بحب وصدقا بصدق، وأملاًمقبلا حافلا بالأسرة والأولاد.
لكنه كان لمداركه المحدودة وتقصيره البالغ في مختلف المواد؟أعجز من أن يتجاوز السنةالأولى، فقدرته المتواضعة جعلته موضعَلا مبالاةوشكٍّفي عيونالأساتذة والطلاب، إلاَّ أمينة السر العنيدة التي منحته الصفر المقرر، وراهنت عليه حينماأحبته بصدق وعناد، دون أن تلتفت إلىقدرتِهوبساطة مواهبه وبلادته بين الطلاب.وجدتْ فيه قدرُها،فأحبته بعيون غاضبة على من كان حولها من الغيارى الحاقدين.فسبحان من يغير الأحوال..!
لم يهتدِ الطالب إلى “الفاصل**” وسط الظلام الشديد؟فراح يفتش عبر اليد اليمنى عن المقبض المتصل “بالفاز Phase”، بينما يده اليسرىلامست في العتمةطرف “القطب الحيادي الآخر”ال”Neutre”.”لعلَّ أسوأ ما تكون عليه الأقطاب أن”تنأى” بنفسها،فتأتي محايدة لا يعنيها أن تقبلَ أو ترفض أن تحارب أو تهادن، كما تقتضي السياسة في بعض الديار”!أحس برعدة عظيمة تشبه رعشة الموت. سرت كالبرق عبر جسمه مروراً برأسه، واستقرت ال U.S.B وذاكرة حاسبات الشركة في تلافيف دماغه؛ من خلاصة الرحيقوعصارة فكر العباقرة من الرواد الأوائل،ممن تعاقبوا على إدارة الشركة منذ نشوئها حتى اليوم، وآخرهم أستاذه من كلفه إعادة وصل التيار.
حينما عاد التياروحمل معه النور إلى مختلف أقسام الشركة،وعاد الطالبلينضم إلى المجموعة. كانت أحواله قد تغيرت من الجذور، فأنكر نفسه وقد طرأت عليه مستجدات لا عهد له بها من قبل؟ تبدَّل كل ما فيه بصورة مذهلة واتسع خيالهلآفاق جديدة بلا حدود، وراحيمشيمزهواًمن فرط اعتزازه بما صارت إليه أحواله. لكم تمنى في تلك اللحظات لو انه شاهد نفسه على صفحةالمرآة، ليتأكد أن شكله بقي على حالهفلم يتغيربعدماألمتْ بهأحوال شداد.فهناك في إحساسه ما يوحي له بالثقة المفرطة، وأن شيئا قد تبدل في أعماقه، ولم يعد مجرد انعكاس على المرآة.
كان المحاضر لدى وصوله ينقل معلومة دقيقة للمجموعة، حينمااعترض الطالب على أستاذهمن بعيد مشككابصحة ما يشرح الأستاذ! لكأنه مخلوق آخر مقبلٌ من عالم الغيب المجهول..!وحينما أدرك المجموعة..؟جذب الأستاذ برفق من سترتهفنحَّاه قليلاً، وطلب إليه أن يرتاح من عبء ما يشرح، وأن يلتزم الهدوءوالاصغاء..!
أكملَ الطالب الشرح نيابة عن الأستاذ. والأستاذ اعترته الصدمة والذهول لهول ما يرى وبلاغة ما يسمع! فتعرَّقَ جبينه واحمرت أذناه وأربكته شدة ما يحدث، أما رفاقه الطلاب فقد تولتهم دهشة عظيمة من العجب،ومفاجأة لم يتوقعوهابما تبدل في أحوال الطالب وغزارة ما بات يعرف! والأستاذ لزم الصمت مع الإحساس بكرامتة المهدورة أمام الطلاب، لكنه تمالك نفسه وأنصتَ للطالب، بينما راح الطالب يغرد بمهارة البلابل، ويشرح ببلاغة العباقرة العلماء، قائلاً لرفاقه بلا مراعاة أو خجل، إن الأستاذ الكريم كان مخطئاً في المقاربة وهو يتحدث عن “النانو” ومعادلة “نيوتن” في الفعل وردة الفعل والتسارع، وعن أنشتاين والنظرية النسبية وسرعة الصوت والنور..!!
ثم راحيشرح لرفاقه الطلاب وجهة نظره المخالفة، فناقش معهم النسبيّة وأقنعهم بالدليل أنها لا تخلو من مغالطات، دون اعتراضٍ من الأستاذ أو رفاقه الطلاب علىصحة ما يشرح وسلامة ما يقول..!؟ والأستاذ أصيب بانتكاسة عاطفية عميقةوإحباط لهول ما يجري، فانسحب وعاد أدراجه إلى مكتبه وهو لا يدري ما عساه يفعل أو يقول..!؟
سرتْ أخبار الطالب بسرعة الريح، وتناقلتها وسائل الإعلام ومواقع الشبكة العنكبوتية،وأمينة السرالغافلة عما كان يجري؟ دهمتهاوأذهلتهاالأخبار الجديدة. في البداية لم تصدق وتصوَّرتِ المسألة إشاعة لئيمة تمعن في النيل من سمعة محبوبها..؟ لكن مهانة الأستاذ وانكساره أمام الجميع، وانسحابه إلى مكتبه؟ أكدت لها صحة ما يدور.
ضاقت الجامعة والشركة والدنيا بسعادتها، وتضاءلت في ناظريها أعظم الأمور، وتساءلت بلا جدوى أو جواب عن سر هذا التبدل المفاجىء في حال محبوبها الطالب المغمور..؟اجتهدتْ بالتحري عن الأسباب..! ولمّا لم تحظَ بإجابة مقنعة..؟ قبلت النتيجة وتناستِ الأسباب.. فالعبرة بالنتائج والخاتمة المشرقة، التي بلغهامحبوبها وأمير أحلامها.
مهما تكن الأسباب فالسماء أكرمتها وجادت عليها بسخاء. لكن أفكاراً حزينة دهمتها وعكّرت عليها صفو يومهاوسعادتها فانشغل بالها وتشتت خاطرها،وحينماانتهى دوامهاعادت إلى بيتها،فانتظرتهساعاتٍ وانتظرتهأياماً ولياليوأسابيعا طويلة، ثم سكنتها الوحشةوالهواجسوانتظرته شهوراً وسنوات. وأخيراً أصابها الكبر وذوى جمالها وقامت حرب ضروس على البلاد،فاعتراها القنوطوأيقنت أن حبيبها ضاعأو مات؟ولن يعود على الإطلاق.
تحرك الطالب قليلافانزلق الكتاب عن وجهه وعينيه، وارتطم بالأرض فأيقظه من الرؤيا، وآلمه المناموما حلّبالبلاد من الخراب، وما حدث فيتاريخها منالإمعان في الغزووالمظالموالتزوير، وجرحت روحه وقلبه أمينة السر حبيبته التيعاهدته وأخلفت وعدها. فَقَدَت كلّ القيم ونسيت حبها، حين قدّمت مصالحها على حسابهفأهملتْ مشاعره وخانته.ولم تلتفت إليه ولا عناها أمره أو نكبته وتمنى أن تسعفه الجرأة، ليتمردعليها ويكاشفها بحقيقتهاويحاسبها،لما سببت له من الألموالمرارة، فينتقم منها على فجيعته بأحلامه، والخيبة التي حصدها من علاقته، وهو لا يدري أيحبطه أم يقتله هول التجربة، أم هي حافز على قيامة جديدة،وأمل لا ينبغي له أن يسقط..أو ينتهي.
“جورج غرة” أستاذ رياضيات قديم من مدينة زحلة في لبنان.. لكنه لم يحظ للأسف الشديد،باسم أو ذكر له على الشبكة العنكبوتيية.*
مفردة فرنسية. مهمتها قطع التيار إذا حصل تماس كهربائي، للحفاظ على سلامة المعدات من التلف.Disjoncteur ** ألفاصل: