لَا بَخُوْرَ إِلَّا بَخُوْرَ تَارُوْت
قَدْ وَقَفْنَا فِيْ ظِلِّ نَخْلَةٍ
فَتَسَاقَطَ الْعِنَبُ عَلَيْنَا
وَسَأَلْنَا الْمَاءَ
مِنْ أَيْنَ تَنْبَعُ؟
فَمَا كَانَ مِنَ الطِّيْنِ إِلَّا
الأَنِيْنُ
لَهُ وَحْشَةُ الْعَصَافِيْرِ
عَلَى الأَفْنَانِ بِالأَغَارِيْد
مِنْ هُنَا مَرَّتْ قَوَافِلُ اللُّؤْلُؤِ
وَمِنْ هُنَا – فَتَحَ التَّارِيْخُ كِتَابَهُ
وَرَسَمْنَا بَسْمَةً لِعِشْتَارُوْتَ
ثُمَّ مَضَيْنَا مُتَّجِهِيْنَ
نَحْوَ الْبَحْرِ، وَأَعَالِي الْمَوْج
بِشِرَاعٍ نَاصِعِ الْبَيَاضِ
نَغْسِلُ شُبَّاكَنَا
وَنَنْتَظِرُ النَّوَارِسَ
لِنُغَنِّي سَوِيًّا
كُلَّ أَهَازِيْجَ الْحُبِّ
وَنُعِيْدُ الذِّكْرَيَاتِ
وَتِلْكَ الْحِكَايَاتِ
وَأَسَاطِيْرِ الْعِشْقِ
يَوْماً مَا، كَانَتْ لَنَا أَشْرِعَةً
تَخَافُ مِنْهَا الرِّيْحُ
قَدْ أَبْحَرَتْ بَعِيْداً
إِلَى مَرَافِئِ الْعُشَّاق
هَذِهِ تَارُوتُ
أَرْضُ الْحَضَارَاتِ وَالْبَخُوْر
وَهَذِهِ الْحَسْنَاوَاتُ وَالْحُوْرِيَّاتُ
وَعِشْتَارُ قَدِ ارْتَدَتِ الْحَرِيْرَ
فَانْتَشَتْ وَغَنَّتْ
لَهَا مَلَامِحُ مِنَ الطِّيْن
وَرَوَائِحُ الْبَخُوْرِ قَدْ أَزْجَى عَبَقَهُ
وَاللَّيْلُ قَدْ أَرْخَى سُدُوْلَهُ
الْحُوْرِيَّاتُ يَرْقُصْنَ
إِذْ تَصَفَّحْنَ التَّقَاوِيْمَ
وَكُتُبَ التَّارِيْخِ
لِمَعْرِفَةِ الْمَوَاسِم
فَلَا عِشْتَارُوْتَ هُنَا
وَلَا فِيْنُوسَ فِيْ البَحْر
وَالْحُبُّ كَانَ مَلَاذاً لِلصَّالِحِيْن
تِلْكَ هِيَ الأَمْوَاجُ الصَّاخِبَةُ
تَحْرِقُ الْخُوْصَ وَاللِّبَانَ
عَلَى ضِفَافِ تَارُوْتَ
فِيْ مَوَاسِمِ اللُّؤْلُؤِ
بَيْنَ تَجَلِّيَاتِ الْعِشْقِ
وَفِيْ ظِلِّ نَخِيْلِ تَارُوْتَ
رَسَمْنَا أَرْوَعَ الْقَصَائِد
وَكَتَبْنَا كُلَّ الأَهَازِيْجِ
وَالابْتِهَالَاتِ الْمَجِيْدَة
ثُمَّ رَقَصْنَا مَعَ الْعَصَافِيْرِ
وَضَحِكَتِ الدُّنْيَا حِيْنَ هَبَّ النَّسِيْمُ
وَنَخِيْلُنَا مَمْسُوْحٌ بِالْمِسْكِ
إِذْ قَالَتْ لَنَا
عَرُوْسُ الْبَحْرِ:
هَلُمُّوْا وَاقْطِفُوا الْوَرْد
فَإِنَّهُ بِدَايَةُ الْمَوْسِم
فَلَا طِيْنَ عِنْدَنَا
إِلَّا طِيْنَ الأَسْلَاف
وَلَا بَخُوْرَ إِلَّا بَخُوْرَ تَارُوْت
فَمَنْ يُشْعِلُ الْمَصَابِيْحَ
فِيْ هَذَا الدُّجَى
وَبَيْنَ الأَزِّقَّةِ
إِذْ نَفَخَتُ فِيْ صَلْصَالِ الْحِوَار
وَنَبَتَ مِنْهُ خُبْزٌ لِلْجَوْعَى
وَلَوْزٌ فِيْهِ تَسْكِيْنَةٌ
لَا عُشْبَ فِيْهِ
مُنْذُ الْفَجْرِ الأَوَّلِ
إِلَى ضِفَافِ
مَبْخَرَةٍ عِنْدَ الْفَجْر
ضَحِكَتْ فِيْ وَجْهِهَا الأَمْوَاج
فَنَزَعَتِ الْحَسْنَاوَاتُ رِدَاءَهَا
وَعَدَّدَتْ أَسْمَاءَ النَّخِيْل
فَدَخَلْنَا أَبْوَابَ الْهَوَى
حُفَاةً، عَطْشَى
نَحْمِلُ الْوَرْدَ
وَطَلْعَ النَّخِيْل
فَأَضَاءَ الدُّجَى حَوْلَنَا
وَرَسَمْنَا شُمُوْعَ الأَجْدَادِ
وَأَحْرَقْنَا السَّعْفَ وَالكَرَانِيْف
وَضَحِكَ النَّخْلُ
ثُمَّ نَثَرْنَا الْمِلْحَ فِيْ الظَّلَام
لِسُلَالَةِ الْحُوْرِيَّات
وَاسْتَرَحْنَا فِيْ ظِلِّ النَّخِيْلِ
فَسَمِعْنَا نَحِيْبَ الطِّيْن
وَسَمِعْنَا شِعْراً وَصَوْتُ النَّايِ
كَأَنَّهُ غِنَاءُ الْهَزَارِ
يَصْدَحُ لِلأَيَّامِ
أَغَانِيَ عِشْقٍ لِبَخُوْرِ تَارُوت.
__________
* رئيس منتدى النورس الثقافي الدولي.