صادفت أمس الثامن من نيسان، ذكرى رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور ” أبو يسار “، أحد أعلام وأعمدة الحركة الثقافية الفلسطينية والشعر المقاوم الحديث، الذي عاصر المأساة الفلسطينية، وعاش رحلة العذاب والتشرد وحياة اللجوء والمنافي، التي انعكست في شعره وقصائده.
أحمد دحبور من مواليد حيفا العام 1946، لجأ بعد النكبة مع أفراد أسرته إلى لبنان، ثم إلى حمص السورية، وعاش في مخيم النيرب للاجئين.
لم يحظ أحمد دحبور بالتعليم الأكاديمي العالي، لكنه تثقف على نفسه، وصقل موهبته الشعرية والأدبية وتجربته الإبداعية بالقراءات الشمولية والنهل من التراث وينابيع الثقافة والمعرفة.
كتب الشعر في جيل مبكر، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى ” الضواري في عيون الأطفال ” سنة 1964، ثم مجموعته ” حكاية الولد الفلسطيني “. ثم صدر له ” العودة إلى كربلاء ” و ” شهادة بالأصابع الخمسة “، و ” طائر الوحدات “، و ” وهكذا بيروت “، و ” وكسور شعرية “، و ” وبغير هذا جئت “، و ” واحد وعشرون بحرًا ” و ” ديوان أحمد دحبور “، بالإضافة إلى عدد من الأعمال النثرية.
اشتغل دحبور في عدد من المواقع الصحفية والثقافية والمنابر الإعلامية، عمل محررًا سياسيًا في وكالة ” وفا “، ومحررًا أدبيًا، وتولى إدارة تحرير مجلة ” لوتس “، ثم مديرًا عامًا لدائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي رئاسة تحرير مجلة ” بيادر ” وسواها.
عاد دحبور إلى الأراضي الفلسطينية بعد توقيع اتفاق اوسلو، وزار حيفاه التي لم تبرح عيونه لحظة، ولم تغب عن قصائده واحلامه بالعودة إليها يومًا، وقال فيها :
وكيف جئت أحمل الكرمل في قلبي،
ولكن كلما دنا بعد؟
حيفا أهذي هي؟
أم قرينة تغار من عينيها؟
لعلها مأخوذة بحسرتي،
حسرتها علي أم يا حسرتي عليها؟
وصلتها ولم أعد إليها
وصلتها ولم أعد إليها
وصلتها ولم أعد…
وكانت صحيفة ” الحياة الجديدة ” الفلسطينية التي تصدر في القدس قد خصصت له زاوية أسبوعية كل يوم أربعاء، ومثلها فعلت صحيفة ” الاتحاد ” الحيفاوية العريقة في ملحقها الأسبوعي الثقافي.
واشتهرت قصائد وأشعار أحمد دحبور بعد تلحينها وغنائها من قبل فنانين فلسطينيين وفرق غنائية فلسطينية أبرزها فرقة العاشقين، نذكر منها : ” اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت، عود اللوز الأخضر، وغزة والضفة، وصبرا وشاتيلا، واللـه لازرعك بالدار، وعوفر والمسكوبية ” وغير ذلك.
وفي كل كتاباته الشعرية والسياسية يظهر دحبور منحازًا للثورة الفلسطينية، مصورًا ومجسدًا الحالة الفلسطينية بكل تفصيلاتها الدقيقة بمخيمات اللجوء والتشرد.
وقد برع في توظيف مخزون ذاكرته من الحكايات والأغاني الشعبية والتراثية، واناشيد الطفولة، بالرؤى الفنية المتجددة التي منحت شعره نكهة فلسطينية مميزة بالغة الخصوصية، وجاءت كبشارة لزمن مختلف.
أحمد دحبور هو شاعر العاطفة والوجدان الفلسطيني، وشاعر التجربة الفلسطينية بامتياز، نجح في اخراج القصيدة الوطنية من خطابها المباشر والخطابي الصاخب، وجعلها تأخذ منحى آخر، يعبر عن آلام وأوجاع وهموم شعبه، ورسم خطوط الأمل والتفاؤل بحبر المعاناة اليومية، محتفظًا لنفسه بحساسية فنية عالية تنحاز لكل ما هو فلسطيني وإنساني وجميل، وتنتصر للحياة والمستقبل، وتحتفي بالذات وبالناس البسطاء المقهورين المعذبين العاديين، الذين هم مجموع الشعب، وقوام الحلم المنشود المأمول والمرتجى. إنه باختصار شديد، راوي المخيم وشاعر الوطن والوجع الفلسطيني الحقيقي الجميل.
فطوبى لك يا ابا يسار في ضريحك، وعاشت ذكراك خالدة في الذاكرة الوطنية والشعبية والثقافية الفلسطينية.