حين تطغى الأنانة في نفوس مجتمع ما ، فلا مناص إن القيم سوف تنقلب وتصاب بحالة تشوه كبيرة ، بل تصير هذه التشوهات هي معلم الحياة وطريقها ..حتى في بيت النبوة ، فقد قيل على يعقوب ( إن أبانا لفي ظلال مبين )
لاحظ استخدام لفظ ( مبين) ويقصدون الوضوح الذي لا غبار عليه ، وحجة واضحة ، وحقيقة ناصعة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان..
هكذا هو تفكير وعقلية القصر في الحياة ، فهم يرون الميزة مفسدة ، ويرون تشجيع القيم العظيمة احتقارا لطاقاتهم ، فيسقطون أوهامهم ويدفنون أنوار الحياة باتاخذهم القرارات العوجاء والهوجاء والسفيهة على كل المعاني السامقة ، فحين يقرر نيابة عنا نفر يرون في أنفسهم كل وليس بعض القيم العظيمة ، وهم لا يمتلكون إلا سلال من الفاكهة المعفنة ، وأفكار الفناء والموت لكل ما هو عظيم في هذه الحياة ، فلا خلاف أن الأهوج هو من يقرر ويرتفع صوته ويعبر عن القطيع بقوله:( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين )!
فحين تتكلم الرذيلة بثوب الوقار ، فعلى كل قيم الخير المغادرة من ساحة الحياة ، فقد ترك النبي يعقوب في صندوق الظلالة الذي لا قيمة له ، فقد أقاموا عليه الحجة المبينة ، والبيضاء التي لا ينكرها عليهم أحد ، ….
فبعد أن تكلم الصوت المرتعش ، وما أكثرهم في هذه الحياة بأن يضعوا يوسف في غيابة الجب ، فلا محالة إن السيناريو سوف يتطور ويأتون بثياب يوسف ،وبسيل من الدموع الوقحة ، والكاذبة ، فحين تعتنق النفوس مسارات الكذب والدجل والتصنع ، والاستهزاء بقيم الحقيقة ، فلا محالة أن نهر الحياة سوف يصاب بالجفاف ، وسوف تزرع على أرض الحياة الأشجار الشوكية بعدما كانت تتدلى عناقيد الثمر ، وتفوح روائح زكية .
لقد انتصر إخوة يوسف وتحرروا من عفانة يوسف وظلالة أبيهم ، وارتسمت على شفتيهم ابتسامات النصر ، فقد أقاموا مشاعل النصر في قلوبهم ، وهاهم يمشون بزهو وأفواهم تتفجر ابتساما ..
إخوة يوسف بيننا يسفهون كبيرنا ويحقرون عظيمنا ويرفعون حقيرنا ..
إخوةيوسف نعاشرهم ، وحين تختلف معهم يصبون علينا ابتسامة كبيرة ، وضحكة مجللة ترددها كل تجاويف الجبال .
يعقوب المسكين يعيش بيننا يرى ويسمع أسبار النفوس ، ولكن لا يحرك ساكنا ، ينتظر الفرج البعيد ، يعرف ما تخفي النفوس ، ويظل ينتظر ثوب يوسف حتى يرتد له بصره ، أما البصيرة فهي في قلبه ، فويل لمن أضاع البصيرة وحكم بقلب غافل ، وأقام الحجة الهوجاء دون إدراك وأكل مال التيم ، ونهب حقوق المسكين ، وسولت له نفسه أنه على الصراط المستقيم ، فما اكثر من يأكلون السحت و يظنون أنهم يحسنون !