عندما اختطفت الدانة الضاحك دوما النور السباك(2)/

بقلم: ياسر الزمراوي (السودان )

يمشي سريعا , هميما, يمد يديه الطويلتين متارحجتين بين تقدم وتاخر الاخري , تماما كمشية عسكرية , لولا ان يديه تملئان المكان كله , وقدميه كذلك تخطوان الخطو اكبره , هكذا كان النور السباك , وهكذا كان الناس يعرفونه , ضحكته كانت اكثر ما يميزه , ضحكة كبيرة مجلجلة تخترق النوافذ والابواب فيسمعها من هم بالحجرات الاخري , وتصل للجالسون بقرب منه لا معه فتتمازج مع حواراتهم , الا ان الناس كانوا ينشغلون من حواراتهم الرتيبة , ليعرفوا فيماذا يضحك النور , هو باذن من الله كان متجدد الحيوية , ودائما بضحكته تلك يسخر من الاوضاع , لم يكن يحب السياسة بعد ان فارقها لزامها عند  احالته للصالح العام من المصنع الذي كان يعمل فيه, وراي بعد ذلك وبعد تفكير ولم يخالفه زملاؤه المناضلون والنقابيون ; ان يلزم نفسه بالعمل الخاص في المنازل والمساجد  واماكن العمل الصغيرة , يكون سباكا فيها , يحيل حطام مواسيرها المنسدة ; مياها متدفقة , يعمل بهمة ومايميزه في عمله ولحرصه انه  يحضر صاحب البيت وصاحبته ويعرض عليهم خطواته التي يقوم بها بالعمل وان يوصف لكم تكاليف كل قطعة يمكن ان يحضرها من المغلق , كما انه يكون ناصحا لكل من يحسب حسابات لصرفه بان القطعة الاقل تكلفة لن تدوم طويلا في عملها داخل التشبيك الكامل من المواسير والموصلات والبلوفات كمايسمين
لبساطته حبه الناس ولبساطته عهد الناس سخريته من تقديراتهم , لم يكن كمن تربدوا علي الدبلوماسية في الردود كماان سرعة رده المقرونة بسخرية لاذعة و مقارنة قوية و سريعة متبوعتين بضحكة مجلجلة كانوا يشيئون بصدقه ; صدقه ذلك المعاكس للتاتاة والفافاة والتلجلج في الحديث عند الكاذبين,
امتحن الله النور في وفاة امه وهو شئ محتوم اذ ان الاقدار تلاقي الناس في حياتهم ومنها القدر المحتوم وهو الموت , بكي النور في اول يوم بكاءا مرا , وتبع ذلك بالصمت والحوارات المتقطعة المقتضبة , جائه اصدقائه واقرباؤه واهله من قبيلته ( الفلاتة) , وساندوه في تلك الايام , كما ان خاله ادم علي الكبير الحكيم اضفي علي صيوان الكباء حالة من الصبر والتحمل عند المتاثرين و حالة من تقديس الموت من من حضروا لاداء الواجب لكنهم في حالة مزاجية ابعد من تاثر النور واخوته وابناؤه
لم ياخذ الوقت طويلا حتي غرق ابن النور في البحر عند ذهابه الي رحلة مع اصدقاؤه , حزن النور وشق عليه الخبر مسامعه , يردد في اذنه ماسمع ليختبر مدي حقيقته , بكي النور مرة اخري , و بكت زوجته التي لم تتحمل خبر وفاة ابنها فكان ان رحلت هي الاخري عن الدنيا , النور في كل ذلك اكثر اصطبارا واكثر تحملا , كان يقول بسخريته التثقيفية ان تولد فقيرا يعني ان مرماك ملئ بالاهداف التي احرزت فيك , وان تسعي لتغيير هذا الوضع يعني انك تسعي للتعادل  و ربما الفوز وان تطارد وتفصل بعد هذا السعي يعني ان حكم المباراة متحيز ضدك , ولكن ان تفقد اهليك هذا امتحان من الله ياتي للفقير والغني ويجب الا يربط الفرد بين وضعه المصنوع من الانسان و بين اقدار الله المحتومة كالموت
قبل ان يرحل  النور عن الدنيا هو ايضا كان يقول انه يسعي للزواج , اكبر ابناؤه كبر وصار طالبا في معهد فني وابنته اصبحت علي وجه الزواج وان الوقت الان صار مناسبا لكي يجد من تلازمه في حياته بعد ان لم يقصر في حق ابناؤه كما اخوته
انفجرت الدانة سادتي فوق النور , لا اريد بذلك ملطما وعويلا , فقط هي حرب السودان اللعينة , اتت الحرب التي لم يتدبر لها الكثيرون وان تدبروا فان الاكثرية لم تكن لتجد حلولا لها , خاطبته في الهاتف ; قلت له يامعلم اخذ اسرتك وارحل; بضحكته تلك بدا وقال لي ; وين ياخ نمشي وين , نحن ما عندنا غير الفتيحاب دي لامانا وساترانا
خاطبته مرتين ايضا فقال المثل
حتي كانت محاولاته لمعالجة اثار الحرب تزيد من حركته , كان الناس يجدونه هنا يجمع الحطب مع الناس لايقاد النار وهنالك لجمع الماء , حتي اختطفته الدانة

اختطفت مسيرة من الحيوية
اختطفت الاهتمام والحرص اللذان كانا يلازمانه
اختطفت الحب الكبير
اختطفت ضحكته و غناؤه باغاني معروفة بلغة الدارجة الماخؤذة من الفصيح العربي وباغاني لغته الفلاتية
بذلك رحل النور بخطواته الوثابة و بحركته الدؤوبة والقلب الكبييير

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!